• 15/10/1444 - 19:30
  • 211
  • وقت القراءة : 8 minute(s)

الندوة التحضيرية الأولى للمؤتمر الدولي "الأسرة الصامدة؛ التحديات الأخلاقية في عالمٍ متغيّر"

عقدت المستشارية الثقافية للجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان بالتعاون مع مركز بحوث المرأة الأسرة في إيران ولجنة مؤتمر "الأسرة الصامدة" الدولي في طهران وقم، الندوة التحضيرية الأولى للمؤتمر المذكور تحت عنوان "الأسرة الصامدة؛ التحديات الأخلاقية في عالمٍ متغيّر"

عقدت المستشارية الثقافية للجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان بالتعاون مع مركز بحوث المرأة الأسرة في إيران ولجنة مؤتمر "الأسرة الصامدة" الدولي في طهران وقم، الندوة التحضيرية الأولى للمؤتمر المذكور تحت عنوان "الأسرة الصامدة؛ التحديات الأخلاقية في عالمٍ متغيّر"، بحضور المستشار الثقافي السيد كميل باقر، والدكتورة فريبا علاسوند من إيران، عضو المجلس الثقافي الاجتماعي للمرأة والهيئة العلمية لمكتب شؤون المرأة وعضو المجلس المركزي للحوزات العلمية للنساء، وعضو اللجنة العلمية والتأسيسية لمؤتمر "الأسرة الصامدة" الذي من المقرر أن يقام في طهران وقم في فبراير العام المقبل 2024. وقد شارك في المؤتمر باحثون وأساتذة أكاديميون من لبنان هم الدكتور طلال عتريسي، أستاذ علم الاجتماع والمستشار العلمي والأكاديمي في جامعة المعارف، الدكتورة سحر مصطفى، أستاذة في الجامعة اللبنانية وجامعة المعارف ومسؤولة الدراسات في مركز أمان للإرشاد الأسري، والدكتورة نوال خليل، الكاتبة والباحثة في مجال فلسفة التربية الإسلامية، والدكتور محمد محسن عليق، أستاذ التربية والاجتماع في الجامعة اللبنانية والباحث في فكر الإمام الخامنئي والحضارة الجديدة وعلم الجمال.

افتتحت الدكتورة علاسوند المباحث العلمية بالحديث عن التعريف بأهمية الأسرة الصامدة والمقاومة في عالمٍ متغير، بالنسبة إلينا كمسلمين:

"إنّ العولمة والمسائل المرتبطة بها استهدفت الفكر الإسلامي الدينيّ الأصيل وتوجّهت إلى تخريبه، وفي المواثيق والمعاهدات الدولية قد ذكر بأنّ عليهم أن يتطرقوا إلى القرية العالمية، حيث إنّ كل عضوٍ في المجتمع ليس مواطنًا في حكومةٍ معينة أو بلدٍ معين، بل إنّ كل البشر هم مواطنون في هذه القرية العالمية، أي يشددون على المواطنية العالمية، وبالتالي يفرضون القيم العالمية التي يرون بأنّ على المواطن العالمي أن يلتزم بها ويحترمها، دون القيم الخاصة بكل أمّة، برعاية الدين الخاص بها. حتى الإسلام برأيهم لا ينسجم وهذه القرية العالمية.

بالطبع هنا، واجبٌ علينا الحفاظ على الأركان الأجزاء الأساسية لثقافتنا الإسلامية، وفي هذا المجال، أكد سيدنا القائد في إيران، في معظم محاضراته، بأنّ علينا بناء الحضارة الإسلامية الجديدة، وهذه الحضارة تتكون من قسمين، قسم عالٍ يرتبط بالتكنولوجيا والاختراعات، وقسمٌ حقيقيٌّ يشتمل على القيم والأخلاق ومناهج الحياة الإسلامية، حيث تؤدي الأسرة دور الركن الأساس فيها. نحن أمام التحديات الكثيرة اليوم ضدّ الأسرة، نرى بأنّ الأسرة الأصيلة المبتنية على القيم الدينية، مسيحيةً ويهوديةً وإسلامية، نابضةٌ حتى اليوم وتحفظ نفسها من هذه التحديات. هذا الأمر يشير إلى أنّ الذات الطبيعية لهذه الأسرة تنطوي على القيم الذاتية بشكل طبيعي. ونحن علينا أن نعمل بوعيٍ وانتباهٍ إلى هذه الأسرة، وتنمية قيمها الأساسية. من هنا كانت وصية القائد في كل خطاباته حول الأسرة وتأكيده على تكوين الأسرة، من خلال الزواج والإنجاب والتربية وغير ذلك. أما الحركة النسوية الغربية، فلقد شجّعت على تغيير هذه السنن والقيم ابتداءً من توسعة مفهوم الجندر خلال مراحل تطوّرها التاريخي".

 

ثمّ كان الحديث للدكتور طلال عتريسي، الذي قال:

"نحن لا نستطيع أن نكون انتقائيّين حيال الثقافة الغربية، ولا يمكننا مثلًا أن نرفض الشذوذ والمثلية ونقبل رؤية الغرب حول المرأة، فهي منظومة متكاملة إما تؤخذ بالكامل، وإما ترفض بالكامل. هي رؤية مبنية على بنى معرفية وفلسفية حسب التجارب المعاشة، ولم تكن وليدة المصادفة.

إنّ شعار الحرية والإخاء والمساواة خلال الثورة الفرنسية، بدأ في الواقع بضرب السلطة الأبوية من خلال محاربة السلطة الكنسية، ومنذ ذلك الوقت، بدأ العمل على تفكيك الأسرة. استبدل الدين كمرجعية حينها بآلهةٍ أخرى؛ تأليه العقل، تأليه الفرد، وتأليه الرغبات. في المقابل، فإن النموذج الأسري في المنظور الإسلامي يقوم على مبانٍ مختلفة تمامًا. أولًا، يقوم على تشجيعٍ إلهيٍّ على الزواج، وكراهيةٍ شديدةٍ للطلاق. أي أن الأسرة إنما تقوم في رعاية الله. وهذه ثقافةٌ لا نراها في النموذج الغربي. الأسرة المسلمة تقوم على علاقة المودة والرحمة وليس على علاقة التنافس والتحدي والندّيّة. هذه العلاقات الأسرية تشكّل الأساس لسائر العلاقات الاجتماعية. على عكس ثقافة الفردانية التي أخذت بالتعاظم في الغرب. فالمقياس لدينا كمسلمين، ليس الفرد، وإنما الأسرة، التضحية، الإيثار والقيم الأخرى التي تحفظها وتحفظ المجتمع، كما يعلّمنا المنطق القرآني. فالفردانية هي حصيلة منطق السوق والمنطق الاستهلاكي الذي تقوم عليه الرأسمالية. هنا، فإنّ مرجعيتنا هي مرجعية صلة الرحم".

 

بعد ذلك، تحدثت الدكتورة سحر مصطفى عن سؤال "كيف يمكننا مساعدة الأسرة على الصمود؟". فقالت:

"هل هذا الصمود هو صمود بالهيكل والشكل، أم أننا نريد أسرةً فاعلة تقوم بالفاعلية المطلوبة منها، تقوم على روح وليس مجرد هيكل أو شكل. إنّ التحديات أصبحت معلومة، لكن الحديث اليوم عن كيفية الصمود أو مساعدتها على الصمود. فما الذي يمكن أن تقدمه المؤسسات الاجتماعية المختلفة في هذا الصدد؟ وهل يمكن الاستفادة من بعض التجارب وبعض المنظمات؟ هل مساعدة الأسرة اليوم هي وليدة الظروف والمتغيرات؟ بالطبع، فإنّ المطّلع على الدراسات الاجتماعية والأنثروبولوجية الحديثة، يعلم الكم الهائل من الدعم والعناية التي كان يعطيها المجتمع للأسرة بمختلف الأشكال. فإنّ آليات الضبط الاجتماعي كانت تنظر باستنكار كبير لكل من يقوم بتخريب الأسرة. وكانت الأسرة تحظى بكل أشكال الدعم الاجتماعي والاقتصادي وغير ذلك. ما الذي اختلف اليوم؟

التغيرات التي حدثت، من تراجع آليات الضبط الاجتماعي، تراجع سلطة المجتمع، تراخي البيئة المجتمعية، كل ذلك صعّب مهمة الأسرة. لم تعد البيئة غالبًا مشجعة بالمستوى الذي كانت عليه في السابق، مع وجود التنوع الهائل ووسائل التواصل وغير ذلك. غير أننا لازلنا نجد الدعم وإنما تغيرت أشكاله. فأصبحنا نجد اختصاصات في الجامعات تسمى العمل الاجتماعي، وهي تخصصات جعلت لدعم الأسرة والمجتمع. نستطيع اليوم الاستفادة من العمل الاجتماعي من خلال مأسسة والجمعيات الداعمة للأسرة بمواجهة التحديات الكبيرة. العالم يواجه اليوم صعوبات في الاقتصاد والأمن والصحة والبيئة. ينبغي دعم الأسرة لكي تستطيع مواجهة كل هذه الصعوبات. والأطراف والجمعيات كثيرة في مجتمعنا اليوم لحسن الحظ".

 

ثمّ قالت الدكتورة نوال خليل في كلمتها:

"عندما نتحدث عن التربية الأسرية، لا نقصد التربية الأسرية التي يتولاها الأهل داخل الأسرة والتي تقع في مقابل التربية المدرسية والكشفية أو كوسيطٍ من وسائط التنشئة الاجتماعية، وإنما نتحدث عن محورٍ ومجال داخل النظام التربوي التعليمي في المؤسسات التربوية. وعن تربيةٍ أسريةٍ تتولاها المؤسسات التربوية خارج الأسرة خلال عملها ومنهجها التربوي. فيكون تعريفنا المنتخب للتربية الأسرية في النظام التعليمي التربوي، أنها مجالٌ من المنهاج التربوي التعليمي تعنى بتهيئة المتربي بنحوٍ واعٍ واختياري لنيل مرتبةٍ لائقةٍ من الحياة الأسرية الطيبة عبر عضويةٍ فاعلةٍ في أسرته وتكوين أسرةٍ صالحةٍ في المستقبل تكون نواةً لمجتمعٍ صالحٍ وعبر إضفاء المودة والرحمة ورعاية الحقوق والنهوض بالواجبات والمسؤوليات تجاه الزوج وإدارة الأسرة وتربية الأبناء ارتكازًا إلى النظام المعياري الإسلامي مع تعزيز الهوية الجنسية من خلال ملاحظة الفروقات في التكوين والدور بين الجنسين الذكر والأنثى في التربية والتنشئة الأسرية.

من هنا، كانت غاية التربية الأسرية، تمكين المتربي من أن يحيا حياةً أسريةً طيبةً بنحوٍ واعٍ واختياريٍّ ومسؤول، بالارتكاز إلى النظام المعياري الإسلامي، ويكون تحققها عبر مجموعةٍ من الأهداف العامة التي من المتوقع أن يكتسبها المتربي خلال سنوات دراسته الإثنتي عشرة في المدرسة".

 

أما الدكتور محمد محسن عليق، فلقد تحدث قائلًا:

"إن الفكر الإسلامي هو فكرٌ غنيٌّ وتراثٌ قويٌّ يحتاج إلى إعادة تنظيم وتقديم كما فعل الشهيد مطهري، لكن بالعلوم الحالية الإسلامية، لا يمكن إنتاج علم للأسرة بأي شكل. وهذا ما يمكن الاستدلال عليه تفصيلًا بالتأكيد. في فقهنا اليوم، وفي الأخلاق والعقائد بشكلها التقليدي المبتعد عن واقع الحياة نسبيًا، نحتاج إلى إنتاج علمٍ جديد اسمه علم الأسرة أو علم الزواج أو علم التربية. الحمدلله بمجال التربية لدينا عمل يحمد وجهد كبير. كذلك في فلسفة الأسرة هناك الكثير من المفكرين والمنظرين في الجمهورية الإسلامية. لكن أغلب هذه الأفكار الجديدة الجميلة الموجودة في إيران تحديدًا لا أثر لها في ساحاتنا، ولم تنتقل إلينا. نحتاج هنا إلى استنفار طبعًا. على المستوى النظري، وعمليًا، هناك تيار حضاري يريد إنتاج العلم. ابتداءً من الإمام الخميني والإمام الخامنئي والعلامة الطباطبائي والشهيد الصدر ومن سار على مسارهم.

التيار التقليدي يقول ما لدينا يكفي ولا داعي لإنتاج المزيد. لكن التيار الغالب حاليًا هو التيار المتغرب الذي يمتد إلى كل شؤون حياتنا، المدارس، الجامعات، الإعلام، الثقافة، السياسة والاقتصاد. الأمل في إنتاج العلوم يكون بشكلٍ أساس في هاتين المؤسستين، الحوزات والجامعات. الحوزات الجو الغالب فيها غير مواكب للأسف، والجامعات الجو الأعم فيها هو الجو المتغرب الذي ينظر بإعجاب شديد إلى الحضارة الغربية.

نحن منفعلون اليوم مقابل الغرب، ندافع فقط ولا نهاجم كما يوصي السيد القائد. من العسكر والاقتصاد والسياسة وصولًا إلى الدراما والسينما والفنون. أعلنوا مؤخرًا أنهم سيبثون الحلقة الأولى من مسلسل "أشباح بيروت" حول حياة الحاج عماد بروايتهم ومن منظورهم. فهل ننظر إلى أولوياتنا اليوم؟ نحتاج إلى نقد ذاتي للواقع الموجود، حتى نتمكن من صناعة خطابٍ أصيلٍ بدعمٍ من سماحة القائد لتغيير كل القرارات، فالجو الموجود غير سليم وغير مبشر وأخشى أن أقول المزيد في هذا".

 

وقد قدّمت الندوة المترجمة والباحثة في الفلسفة الأستاذة مريم ميرزاده التي افتتحت الحلقة بعرضٍ لبعض مبادئ الفكر النسوي:

" إنّ عولمة المظهر الغربي التي أدّت إلى انفجار النسوية الغربية، ومن جهةٍ أخرى وصم الثقافات غير الغربية لاسيما الآسيوية بالمجتمعات الثالثة أو النامية أو المتخلفة، كلاهما أدّى إلى أن تنتقي النسوية الغربية لنفسها نهجًا متمرّدًا على أصالة المرأة ومنقلبًا على الرأسمالية الغربية، أو على الأقلّ هذا ما تدّعيه.

فنرى بوضوح أنّ طروحات النسويّة تبدو في الانطباع الأول محقّةً حاملةً لقضايا لها صدقيّةٌ عالية، بيد أنّ مذاهبها ومشاربها تنحرف باتجاه المسار الخاطئ لأنّ منطلقاتها ومبادئها هي قيم المساواة الذي يعدّه الفلاسفة والمفكرون مسلمين وغير مسلمين أمرًا مستحيل التحقّق، ومنافيًا للعدالة الاجتماعية.

ولعلّنا بين سطور الفكر النسوي، نستشفّ انحرافاتٍ شتّى مثل ترجيل المرأة، وتحويل الأمومة والإنجاب إلى خيار شخصي محض، والمطالبة بحقوق ما يسمونه الأقليات الجنسية أو مجتمع الملوّنين أي المثليين، وعدم تجريم وتحريم الشذوذ الجنسي، والاعتقاد بأنّ الدين هو مصدر أساسي لوصمة العار الملحقة بالمجتمع الملون، وبأنه يتسبب في دمارهم النفسي المودي بهم إلى الانتحار في كثيرٍ من الحالات. بالتالي، فهم يتغافلون عن أهمية الأسرة لبناء مجتمعٍ سليمٍ تحكمه الأخلاقيات وقيم الأديان السماوية.

إنّ الأسرة في الفكر النسوي، هي كارثةٌ وظلمٌ كبيرٌ بحقّ المرأة! وهذا الادّعاء لا يضعنا كمسلماتٍ ومسلمين أمام مساءلة، وإنما يحثّنا على استلال السيف ورفع السلاح كما يوصينا قائدنا وحكيم زماننا، والهجوم بكلّ ما أوتينا من قوةٍ ثقافيةٍ وفكريةٍ وعلميةٍ على هذا التعدّي السافر. فما هي الأسرة الصّامدة ومن هم أعضاء الأسرة المقاومة والمقاتلة؟"

 

لبنان بیروت

لبنان بیروت

أکتب تعلیقک.

:

:

:

: