حرق القرآن: شواهد متكررة على انهیار النظام السياسي والقانوني الحديث
قام مواطن عراقي - سويدي يوم الأربعاء الماضي وفي قلب العاصمة السويدية استوكهولم، بحرق القرآن الكريم وانتهاك حرمته في العلن وأمام الملأ العام. وناهيك عن طبيعة هذا العمل الذي یؤكد بوضوح علی "معاداة الإسلام"، فإن ارتكاب هذا العمل المشين في مكان مهم (أمام مسجد استوكهولم. وأمام 200 شخص من المصلين المسلمين – وفي زمان خاص یعني خلال یوم عید الأضحی المبارك الذي هو أحد أكبر الأعياد المشتركة للمسلمين، يعتبر نموذجًا واضحًا من نماذج "العداء والتمییز العنصري أيضًا.
"ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذین ظلموا منهم" (سورة العنكبوت، الآیة 46)
زینت السادات مطهري[i]
قام مواطن عراقي - سويدي يوم الأربعاء الماضي وفي قلب العاصمة السويدية استوكهولم، بحرق القرآن الكريم وانتهاك حرمته في العلن وأمام الملأ العام. وناهيك عن طبيعة هذا العمل الذي یؤكد بوضوح علی "معاداة الإسلام"، فإن ارتكاب هذا العمل المشين في مكان مهم (أمام مسجد استوكهولم. وأمام 200 شخص من المصلين المسلمين – وفي زمان خاص یعني خلال یوم عید الأضحی المبارك الذي هو أحد أكبر الأعياد المشتركة للمسلمين، يعتبر نموذجًا واضحًا من نماذج "العداء والتمییز العنصري أيضًا. وما زاد الطين بلة هو صمت المسؤولين والسلطات السويدية أمام هذا العمل القبیح وعدم إبداء أي ردود فعل إزاءه حتى هذه اللحظة، وهذا الصمت - الذي أثار حيرة ودهشة المسؤولين والسلطات في الدول الإسلامية، بما في ذلك إيران والعراق ولبنان والمملكة العربية السعودية والمغرب، وتركيا، والإمارات العربية المتحدة، والبحرين، وقطر، وعمان، وسوريا، وباكستان، وفلسطين، والجزائر، ومصر - بحد ذاته يسلط الضوء على الأبعاد الاخری لهذه القضیة ويؤكد على استمرار ما تبقی من منهج (الإمبريالية الثقافية) للغرب.
إن البلدان الاسكندنافية، بما في ذلك السويد والدنمارك، على الرغم من أنها تتمتع بصورة إيجابية في مجال زعمها في الدعوة إلى "السلام الديمقراطي" وفي المؤشرات العلمانية للنشاطات الاجتماعية، إلا أنها لم تبدي في العقود الماضية أداء إيجابيًا من حيث الإلتزام العملي بفكرة الحداثة المتمثلة في "التعايش" باعتباره حجر الزاوية للمجتمعات الحرة والمتعددة الثقافات وضمانة للتفاعل وعلامة على حسن النية، وكان أداء هذه الحكومات في الواقع ضعيفًا جداً في مجال خلق التوازن بين المفاهيم السياسية العميقة كنظرية الحرية الإيجابية والحرية السلبية لأشعیا برلين[ii]، أو نظام وفكرة (العقد الاجتماعي) المعروفة، والتي تتمثل روحها في الانتقال من "المجتمع الطبيعي" إلى "المجتمع المدني". والحقيقة إن عجز هذه الحكومات المتعمد أو إحجامها عن تمثيل مصالح جميع شرائح المجتمع، التي يشكل المسلمون جزءًا منها، لم تفرز أي نتيجة سوى تأجيج الأزمات الإنسانية والسياسية في عالمنا الراهن. من ناحية أخرى نلاحظ أنه تم التحقيق في الظواهر السلبية مثل التطرف، ونشر الكراهية، والنزعة العرقية العنصرية، وبالطبع الإسلاموفوبيا (موضوع الرهاب من الإسلام) في الدراسات الاجتماعية والسياسية وحتى النفسية، وإن دراسات العولمة تؤكد بقوة على أهمية دور الحكومات الغربية في الحيلولة دون اتساع هذه الظواهر أو تشديدها.
من ناحية أخرى، تم ومنذ سنوات مديدة حل موضوع العلاقة بين الدين والتنمية، وأكد علماء الاجتماع من أمثال (ماكس ويبر) منذ أكثر من قرن على الدور الإيجابي للدين في التنمية والتطور. لذلك، فإن الحكومات العلمانية التي تضحي بالمشاعر الدينية لأدنى حد من تعريفات الحرية في رسم سياسة الضمان الاجتماعي، قد انحرفت حقيقة عن المؤشر المهم للتطور الثقافي، وهو التعددية الدينية واحترام معتقدات الناس. وهذا السلوك المزدوج للدول الأوروبية، في ترديدها لشعارات الحداثة من جهة وعدم التزامها بالجزء المقيّد والرادع لهذه الشعارات أدی في عصر العولمة إلى تعزیز حالة التشاؤم وفقدان الثقة بهذه الدول، كما أدی من ناحیة أخری إلی تعزيز الشكوك في موضوع منهج الخداع والاستعمار والإمبريالية الثقافية. وكان نتيجة هذا الوضع هي استمرار الفجوة بين الدول، والتي لا تتماشى مع هواجس السلام المستدام للأمم المتحدة ولا النهج البناء للعلاقات الدولية.
إن ردود الفعل الواسعة للمسلمين والمبادرات القیمة لعلماء ومسؤولي الدول الإسلامية في إدانة واستنكار هذه الحادثة - مقارنة بتردد الحكومة السويدية والشرطة في التعامل مع هذا الحادث في الوقت المناسب - يدل على يقظة وهوية ووحدة كلمة المسلمین في العالم والذي یبلغ عددهم حوالي ملياري نسمة. في الوقت نفسه، يبدو أن ردود الفعل الرادعة والمؤثرة يتطلب التشاور القانوني والدبلوماسي بین الدول الإسلامية وممارسة الضغوط المنظمة والمتواصلة في إطار منظمة التعاون الإسلامي من أجل تحديد اللوائح القانونیة الجزائیة ورفع الدعاوى القانونیة وفرض عقوبات سیاسیة - اقتصادية علی الحكومات والدول التي تدعم موضوع وقضیة المعاداة للإسلام.
أکتب تعلیقک.