ذكرى تحرير خرمشهر الباسلة.. ملحمة تاريخية ومفخرة
يصادف يوم 24 مایو 2022 ذكرى تحرير مدينة خرمشهر الواقعة في محافظة خوزستان جنوب غرب إيران في عام 1982 من براثن النظام البعثي في العراق ویعرف في إیران باليوم الوطني للمقاومة والتضحية والانتصار.
يصادف يوم 24 مایو 2022 ذكرى تحرير مدينة خرمشهر الواقعة في محافظة خوزستان جنوب غرب إيران في عام 1982 من براثن النظام البعثي في العراق ویعرف في إیران باليوم الوطني للمقاومة والتضحية والانتصار.
ميناء خرمشهر المطل على السواحل الشمالية للخليج الفارسي كان هدفاً مهماً لقوات نظام الطاغية صدام لدى دخولها الأراضي الإيرانية بهدف إسقاط الثورة الإسلامية الناشئة إلا أن مقاومة القوات الشعبية والحرس الثوري بمساعدة الجيش جعل هذه المدينة رمزاً خالداً في حرب السنوات الثمانية.
في شهر أيلول / سبتمبر انطلقت صفارات الإنذار في طهران بعد انتهاك المقاتلات العراقية للأجواء الإيرانية وقصفها عدداً من المطارات في العمق الإيراني لتعلن بدء حرب طاحنة استمرت 8 سنوات.
وتصور الطاغية صدام في بداية الحرب، بحسب معلومات استخبارية قدمها الغربيون، أنه سيتمكن خلال أيام من إعلان بيان انتصار جيشه.
وفي المراحل الأولى للحرب اكتسبت مدينة خرمشهر قيمة استراتيجية لدى الجيش العراقي لأنها كانت تعد بوابة الدخول إلى محافظة خوزستان الإيرانية الغنية بالنفط.
بدأت القوات العراقية بإطلاق القذائف بكثافة وبصورة عشوائية على المدينة الحدودية الصغيرة ما أسفر عن استشهاد حوالي 480 مدنياً من الأهالي خلال الأيام الثلاثة الأولى للحرب فقط، ورغم فداحة الخسائر وضعف التنظيم والتسليح وهول المفاجأة إلا أن عشرات الشبان انخرطوا في عمليات مقاومة، ورغم عدم انتظامها واستخدامها أسلحة خفيفة استطاعت وقف تقدم عجلة الماكنة الحربية العراقية خلف أسوار المدينة لمدة 40 يوماً قبل احتلالها باستخدام مئات الدبابات والمصفحات والقصف المدفعي والغارات العنيفة، واستمر هذا الحال حتى الأشهر الأولى من عام 1981.
وشكل عام 1981 بداية للعمليات العسكرية الناضجة التي امتزجت فيها الخبرة العسكرية مع الحماسة الدينية والسياسية المفعمة بالأمل.
وسبقت عمليات تحرير خرمشهر القيام بعدة عمليات قامت بها القوات الإيرانية كانت أبرزها عمليات ثامن الأئمة التي نجحت في كسر الحصار عن مدينة آبادان المجاورة قبل أشهر من تحرير خرمشهر ما شجع القيادة العسكرية الإيرانية على التفكير والتخطيط في القيام بعمليات عسكرية كبرى ترمي لطرد القوات العراقية من آلاف الكيلومترات على طول المناطق الحدودية.
بدأت عمليات بيت المقدس في 22/5/1982 بالتزامن مع ذكرى بعثة الرسول (ص) في 27 شهر رجب، واستهدفت استعادة هذه المدينة الاستراتيجية الهامة بالنسبة لإيران باعتبارها تشكل منفذاً حيوياً للبلاد إلى مياه الخليج الفارسي.
ونجحت العمليات بالفعل في تحرير خرمشهر على عدة مراحل. وقد ساهم في نجاح هذه العمليات عمليات سبقتها في منطقة دزفول بشمال محافظة خوزستان باسم "والفجر واحد".
بدء العمليات في غرب كارون (المرحلة الأولى 4/30/1982)
لم يكن الجيش العراقي يظن أن القوات الإيرانية ستنجح في نفس الوقت من اجتياز نهر كارون الذي يمتد في خوزستان ويقطع خرمشهر والوصول إلى طريق أهواز ـ خرمشهر بعملية واحدة حيث أن خسارته لهذا الطريق واستعادة أقسام منه كان سيكلفه غالياً.
استمرت المقاومة بصورة عنيفة خلال 48 ساعة وأخيراً تحقق وعد الله بالتثبيت والنصر. وسنحت الفرصة للقوات الإيرانية العاملة لكي تتمكن من استكمال التحامها والعثور كل منها على مواضعها اللازمة للمرابطة والتغلب على نقاط الضعف، وسد المنافذ.
وفي جبهة كرخة نور، ورغم وجود الخطوط الدفاعية القوية للجيش العراقي إلا أن بعض الجنود الإيرانيين تمكنوا من احتلال الساتر الترابي الثاني للعدو بعد اجتياز نهر كارون.
وبقيت القوات الإيرانية لمدة 48 ساعة وهي تصد هجمات القوات العراقية المضادة وبسبب عدم تمكن وحدات إيرانية أخرى من القيام بهجمات مشابهة، صدر إليها أمر بالانسحاب مؤقتاً وعدم البقاء بجناحين مفتوحين. فبقيت القوات الإيرانية في مواضعها الأولى تنتظر الأوامر لكي تقوم بالعمل على جهتين بالتزامن مع تهديد القوات العراقية من خلف الحدود بعد أن ضعفت من اجل الشطر على قسمين.
المرحلة الثانية من العمليات (6/5/ 1982) (في غرب كارون)
بدأ هجوم القوات الإيرانية المتمركزة على طريق أهواز ـ خرمشهر باتجاه الحدود ونجحت في التموضع على بعد 17 كم عن الشريط الحدودي، واستبسلت في المقاومة أمام الهجمات الجنونية المضادة ما مكنها من البقاء في مواضعها الجديدة لغاية اليوم التالي.
وأثر الخوف من تغلغل القوات الإيرانية إلى خلف جبهة القوات العراقية جعل قادتها يصدرون الأوامر بالانسحاب فوراً رغم أنها كانت قد أقامت منشآت وطرق مواصلات بهدف البقاء الدائم في منطقة جفير بالشمال.
ولم تجد هذه القوات حلاً غير الانسحاب لإنقاذ الفرقة السادسة والقوات الأخرى المرابطة في تلك النواحي بل أن بقاءها في تلك المنطقة سينتهي إلى إرغامها على الاشتباك مع قوة إيرانية تجتاز نهر كرخة من الخلف على الشريط الحدودي.
من جهة أخرى، تصورت قيادة الجيش العراقي آنذاك أن الانسحاب عن المنطقة مرغمة ستمكنها من تحشيد المزيد من القوات والمعدات في محور البصرة ـ خرمشهر للحيلولة دون سقوط خرمشهر ودفع التهديد المحتمل عن البصرة، فالاحتفاظ بخرمشهر كان هدفاً مهماً للعراق للتغطية على آثار الهزائم السابقة والاحتفاظ بورقة سياسية رابحة.
وفي الساعة الثالثة من فجر يوم (1982/5/8) شهدت أرض المعركة أسرع فرار للجيش العراقي من منطقة جفير وعقبته القوات الإيرانية لتنتهي العلميات إلى تطهير المنطقة منها بشكل كامل كما نجحت في الساعة العاشرة صباحاً من تطهير طريق أهواز ـ خرمشهر تطهيراً كاملاً لكل المناطق التي سقطت في المرحلة الأولى وبذلك اتصلت جميع القوات في الشمال مع الجنوب وهنا أصبح الارتباط التمويني يأتي عبر الطريق المعبد ما عزز وضع التموين بصورة ملحوظة.
لكن الجيش العراقي استطاع إنقاذ حشد كبير من قواته من الدمار، وموضعها على محور شلمجة ـ خرمشهر والطريق المعبد بينهما، وبدأ بتنفيذ هجمات مضادة عنيفة مع قصف مدفعي مستمر وغارات من قبل طائراته.
وبعد التمهيدات السابقة، بدأت القوات الإيرانية بالمرحلة الأخيرة من العمليات في الساعة التاسعة والنصف من 1982/5/22 لتحرير خرمشهر نهائياً. ونجحت القوات الإيرانية في صباح اليوم الثاني في العبور من الجسر الجديد والوصول إلى ضفاف نهر اروند (شط العرب) داخل أراضيها.
كانت خطة القوات العراقیة الرامية لرفع الحصار عن قواتها شن عمليات من غرب شلمجة الحدودية وشرق خرمشهر ولو قدر نجاحها كانت ستفضي إلى تدمير القوات الإيرانية في منطقة عرايض وإقامة ارتباط بين القوات العراقية المحاصرة في خرمشهر وباقي القوات.
وأصدرت القوات العراقية التي كانت ترابط على شكل مثلث ابتداء من نهر كارون إلى خرمشهر الأوامر بالانسحاب، والاستعداد للمشاركة في العمليات. وخلال انسحابها دمرت كميات كبيرة من عتاده ومن جملة ذلك دمرت مستودعاً للواء 48 المشاة ما كشف ضعف معنوياتها في الاحتفاظ بخرمشهر.
واختلف العسكريون العراقيون المحاصرون حيث رأى فريق منهم عدم جدوى المقاومة ومالوا إلى الاستسلام فيما رأى الفريق الثاني المقاومة، وكان العامل المؤثر في دعم وجهة النظر هذه، هو قائد القوات العراقية في خرمشهر العقيد أحمد زيدان آنذاك، إذ أنه كان يجري اتصالات مستمرة بواسطة لاسلكي بعيد المدى مع قائد الفرقة الحادية عشرة.
على كل حال واجه هجوم العدو من غرب (شلمجة) الفشل رغم إصرار القيادة العراقية عليه إصراراً كبيراً، وفي النهاية أجبر العدو على الفرار والانسحاب. وقد مشى العقيد زيدان على ساحة ألغام وقتل ما جعل المقاومة شبه مستحيلة.
المرحلة الأخيرة من عمليات بيت المقدس
في 1982/5/24 سلم عدد من الضباط والجنود العراقيين أنفسهم ومن ثم تبعتها أعداد أخرى بلغت الآلاف، وأصبح طابور الذين سلموا أنفسهم 12400.
وفي الساعة الحادية عشرة من ذات اليوم عادت خرمشهر إلى أحضان إيران الإسلامية بعد عمليات استغرقت أقل من 48 ساعة أي منذ تحرك القوات الإيرانية لمحاصرتها وتحقق الأمر الذي كان يبدو مستحيلاً في بداية الحرب.
أکتب تعلیقک.