ماهي الأسباب التي تقف وراء تدنيس الكتاب المقدس للمسلمين وماهي سبل مواجهتها؟
في الأيام الأخيرة وفي یوم عيد الأضحى بالتحدید، كان العالم قد شهد إهانة وتدنيس القرآن الكريم، الذي هو أقدس كتاب لدی أكثر من مليار ونصف مليار مسلم، وذلك في بلد السويد الذي یتمشدق بالدیمقراطیة والحریة.
في الأيام الأخيرة وفي یوم عيد الأضحى بالتحدید، كان العالم قد شهد إهانة وتدنيس القرآن الكريم، الذي هو أقدس كتاب لدی أكثر من مليار ونصف مليار مسلم، وذلك في بلد السويد الذي یتمشدق بالدیمقراطیة والحریة. وبالطبع قد تم إدانة هذا العمل الشنیع الذي تم بذریعة حریة التعبیر وبدعم وترخیص الحكومة والشرطة السویدیة، من قبل جمیع الدول الإسلامية. والسؤال الذي یطرح نفسه هنا هو: منذ متى برزت ظاهرة الرهاب من الإسلام ومعاداة الإسلام في أوروبا؟
إن ظاهرة الإسلاموفوبيا (الرهاب من الإسلام) قد بدأت في الواقع منذ زمن الحروب الصليبية ولا زالت مستمرة بأبعاد وأشكال مختلفة حتى یومنا الراهن، وبعد الحرب العالمية الثانية اشتدت ظاهرة الإسلاموفوبيا ومعاداة الإسلام هذه وزادت وتیرتها إثر هجرة المسلمين إلى الدول الأوروبية للحصول علی عمل هناك وبالطبع لا زالت هذه الحالة مستمرة حتى الآن. وهناك أسباب وعلل عدیدة تقف وراء ذلك، أسباب وعلل لعبت دومًا دورًا في تأجیج الإسلاموفوبيا ومعاداة الإسلام في أوروبا، أحدها تزاید عدد السكان المسلمين إزاء النمو السلبي للسكان الأصليين في القارة الأوروبية، الأمر الذي یعتبره هنتنغتون، صاحب نظریة (صراع الحضارات)، السبب الرئيسي لانهيار الحضارة الغربية ونمو المجتمعات الإسلامية، والأمر الآخر هو العداء العلني والخفي الذي یكنه الصهاينة للمسلمين والبلدان الإسلامية.
إن إهانة المقدسات الإسلامية والقرآن الكريم حدثت أولاً في أمريكا وفرنسا (مجلة شارلي إیبدو)، ثم في الدنمارك، ثم في السويد، وتسببت جمیعها في جرح قلوب ومشاعر المسلمين في كافة أنحاء العالم. وانتهاك حرمة القرآن الكريم هو بلا شك إهانة لجميع الأديان الإبراهيمية، بما في ذلك المسيحية واليهودية، ولا علاقة لهذا الأمر بحرية التعبير وحقوق الإنسان. والأوروبيون الذین یتمشدقون بحقوق الإنسان والديمقراطية دائمًا ما يذكرون بأن الكتاب رمز ثقافي وأن تدنیس وإهانة الكتاب إهانة للعقيدة والفكر. فالتعامل المزدوج مع القضايا الثقافية والسياسية والدينية یعتبر من أكبر عوامل استغلال الدول الغربية والأوروبية لموضوع حرية التعبير والرأي. وفي الوقت الحالي، تعتبر الدول الأوروبية أي تعليق حول الهولوكوست والشاذیین جنسياً جريمة، وأي شخص یحاول أن یقوم بدراسة أو بحث في هذین المجالین، يحكم عليه بالسجن ویتم حرمانه من مكانته الاجتماعية. أما فيما يتعلق بإهانة المقدسات الإسلامية فإنهم يؤیدون ذلك بصمتهم، فما الهدف من هذه الازدواجية؟ ففي السنوات الأخيرة وبفضل القوى الحاكمة في أوروبا، أصبح الفكر الخطير، هو الفكر المتفوق، وهم یصرحون علنًا بأن كل ما نقوله ونشخصه نحن بالذات هو الحق وهو الصحیح ویجب علی الجمیع أن یقبلوه، مثل تدنيس الكتاب المقدس للمسلمين الذي نبرره باسم حرية التعبير. في حین أنهم یعلمون جیدًا أن هذا الأمر يتعارض بشكل واضح مع ميثاق القانون الدولي الذي أقرته الأمم المتحدة في عام 1966م، والذي قاموا هم أنفسهم بتأسیسه.
الحقيقة أن مواجهة الإسلام تشمل مواجهة تامة أكثر من تدنيس الكتاب المقدس للمسلمين، فقد توصلت مراكز الدراسة ومراكز الفكر الغربية في الوقت الحاضر إلى استنتاج مفاده أن العالم الإسلامي أخذ يبرز ككتلة وقطب جديد في العالم الذي أصبح عالمًا متعدد الأقطاب. وخیر دلیل علی ذلك هو ما ورد في وثيقة التطور والتحول في السياسة الخارجية الروسية، حیث جاء فیها بأنه علینا أن نعترف بقوة العالم الإسلامي ككتلة من القوى العالمية، وحتى أن أعضاء ونواب البرلمان الروسي ومجلس الدوما أعلنوا إدانتهم واستنكارهم لموضوع تدنيس القرآن الكريم في السوید.
من هنا فإن تعبئة وحشد الدول الإسلامية وانسجامها واتحادها في الدفاع عن مقدسات المسلمين يمكن أن يكون رادعاً مؤثرا وفاعلاً للغاية، فالدول الإسلامية، نظراً لقدراتها وإمكانياتها الهائلة من حيث عدد الدول وعدد السكان، وامتلاكها لكميات هائلة من احتياطيات النفط والغاز، ومواقعها الاستراتيجية والجيوسياسية والجغرافية المهمة، ووجود مراكز واتحادات إسلامية مثل جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، ووجود الأزهر في مصر وغيرها من المراكز الإسلامية في شرق وغرب العالم يمكنها من خلال التعاون مع بعضها البعض أن تبادر باتخاذ إجراءات منسقة لمواجهة موضوع الرهاب من الإسلام ومعاداة الإسلام، ومنها: خفض مستوى العلاقات السياسية مع الدول التي تدعم موضوع معاداة الإسلام وحظر بضائعها، ومن ثم إحياء القوة الثقافية والإعلامية للدول الإسلامية في مجال الحرب الناعمة، ومتابعة الشكاوى القضائية من المحافل الدولية والمحاكم القضائية مثل محكمة لاهاي القضائية، فهذه الأمور يمكن اعتبارها من المبادرات التي يمكن أن تساهم في الحد من ظاهرة معاداة الإسلام، فالسلوك العنصري تجاه المسلمين واتجاه أي إنسان آخر من أبناء البشرية بات اليوم أمرًا مرفوضًا، والمدعون الزائفون بالديمقراطية لا يمكنهم أن يتلاعبوا بمشاعر المسلمين وأن يحسموا الأمر من خلال تقديم الاعتذار فحسب. وذلك لأن ما يقومون به يشوه سمعة المسلمين ويخلق انطباعًا سيئًا عنهم بين غير المسلمين، فهؤلاء بعد فشل مشروع الغرب في تكوين الجماعات التكفيرية، نراهم يبحثون بصورة ممنهجة عن استراتيجية جديدة لتشويه سمعة الدين الإسلامي وتدميره من خلال استغلال أبناء وشعوب البلدان الإسلامية، وإثارة الفتن وإشعال الحرب بينهم، كما نراه اليوم في السودان. وفي الوقت الحاضر، نلاحظ أنه لا يمر يوم لا تنشر فيه وسائل الإعلام الغربية انباءاً وأخبارًا سلبية ضد الدين الإسلامي والمسلمين، فهم يسعون بطريقة ما إلى غسل أدمغة أبناء مجتمعاتهم وتأليبهم ضد المسلمين، ومما لا شك فيه أن تدنيس الكتاب المقدس للمسلمين الذي شهده العالم في الأيام الأخيرة سوف لن يكون آخر عمل لهم، ومن المفترض على الدول الإسلامية وعلماء الدين فيها أن يتصدوا لمثل هذه الأفعال عبر الاتحاد وعبر اتخاذ القرارات الصحيحة الرامية إلى ردع مثل هذه الأعمال الإجرامية لأن أعداء الإسلام مستيقظين ويتربصون لنا ولديننا وعلينا أن نكون أكثر يقظة وانتباها ووعيا منهم..
حسین محمدي فومني
خبیر في العلاقات الدولیة
أکتب تعلیقک.