تعتبر الثقافة (بكافة تفرعاتها ومستوياتها)، مصدراً مهماً من مصادر خلق القوة الناعمة لأية دولة، حتى أن الكثير من الباحثين ظلّوا الى وقت طويل يفهمون ويفسرون القوة الناعمة على أنها تكاد تقترن حصراً بالتأثير الثقافي، قبل أن يعودوا ويوسعوا دائرتها.

وتعرف الثقافة على أنها مجموعة القيم والممارسات التي تترك معنى بالنسبة للمجتمع، والتي من الممكن لها أن تأتي بعدة أشكال، مثل الثقافة النخبوية (الأدب، الفن، التعليم العالي)، أو مثل الثقافة الشعبوية التي تستهوي الجماهير، وتمتلك إيران مخزوناً كبيراً لإنتاج القوة الناعمة، وعبر أربعة أقسام وهي:

- اللغة: حسب ما يذكر الباحثون الإيرانيون أن اللغة الفارسية عنصر أساسي في جذب الأمم الأخرى على اعتبار أنها دخلت في تركيب العديد من اللغات الأخرى السائدة اليوم في العالم كاللغة التركية والهندية والأردية، والأرمينية، والجورجية، والسواحلية وغيرها، ولا توجد لغة في العالم تخلو من الفارسية.

- البعد الحضاري: كما أن باستطاعة البلاد استثمار حضارتها التي تعود إلى اكثر من 3 آلاف سنة زاخرة بالتاريخ العريق والخبرة بالتأثير على المناطق المجاورة، والتي مارستها طوال فترة تمتد من زمن الأخمينيين مروراً بالساسانيين وغيرهم ممن أنشأوا إمبراطورية تمتد من هيليسبونت (غرب تركيا اليوم) إلى شمال الهند، ومن مصر حتى آسيا الوسطى على حدود كازاخستان اليوم.

- السياحة: وتصنّف إيران على أنها واحدة من عشر دول سياحية هي الأفضل من ناحية التاريخ والمواقع الأثرية، وتجذب إيران سنوياً الكثير من السائحين في مختلف أماكنها، حيث تسمى ببلد الفصول الأربعة، ولها مواقع أثرية كثيرة، وصناعات يدوية جميلة لا مثيل لها في العالم وغير ذلك.

- الفن والمناسبات الثقافية: وبنظرة خاطفة على الاحتفالات والمناسبات الإيرانية التي تقام، يكفي الالتفات إلى عيد النيروز الذي يعتبر مؤشراً على التأثير الكبير للثقافة الإيرانية على الثقافات الأخرى، ناهيك عن نصوص الفن والشعر والتأليف، التي لها دور  كبير في نشر الثقافة الفارسية.

يعتبر أدب الدبلوماسية الثقافية أدبًا جديدًا وهو أحد عناصر القوة الناعمة في العالم وتستثمر الدول المختلفة في هذا المجال ومن خلاله تعزز قوتها الدولية.

نحن في الدول الإسلامية وخاصة في دول محور المقاومة بحاجة إلى "حركة" في هذا المجال، و يمكن أن يكون لهذه الحركة أنواع أو خطوات مختلفة، بما في ذلك تصميم الموضوعات وبعبارة أخرى إنتاج الأفكار.

في مختلف البلدان، حدثت تغييرات في تاريخ السياسة الخارجية في ظل العلاقات الدولية، والتي اكتسبت فيما بعد، مع ظهور وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية، أهمية ومكانة عالية، وفي نفس الوقت مع هذه التغييرات، فإن المساحة الصلبة والقوة التي تحكم الأدوات ووسائل الإعلام، إلى حد ما، تفسح المجال لـ "القوة الناعمة" ؛ باختصار، تعني القوة الناعمة الاستحواذ على قلوب وعقول الجماهير حتى خارج البلدان المنتمية لها، وحتى على مستوى أعلى.

حدثت هذه العملية لأنه في بعض الأمثلة التاريخية أن بلدًا ما غزا أرضًا أخرى جغرافيا ولكن لم يستطع أن يأخذ بعقول وقلوب الناس، فأصبحت القوة الناعمة مهمة، ومن أهم مكوناتها: الثقافة والدين.

اننا اليوم نرى أن القوى الإستكبارية تبذل جهودا كبيرة للسيطرة على الدول الأخرى ليس من الجانب العسكري وبصورة مباشرة، بل هي تعمل بجد في مجال الثقافة والسيطرة على عقول الناس وتلقّنهم ما تريده، وذلك عبر صناعة الأفلام السينمائية والأنيميشن والكتب وما الى غير ذلك، كما أن الولايات المتحدة تبرز في هذا المجال ووصفت نفسها على أنها "أرض الأحلام والأفكار!".

ونرى مع الأسف بعض الدول توجد فيها وسائل اعلام وشركات صناعة الأفلام اتجاهاتها نفس الاتجاه الذي تريده قوى الإستكبار، وذلك من خلال نتاجاتها ونشر ثقافتها وأدبها.

وحتى في بعض الدول العربية نرى من خلال البرامج الفكاهية يقومون بضرب المقاومة او تغيير أفكار الناس، و كما ذكر قائد الثورة الإسلامية يقومون بتغيير مكان الشهيد والجلاد! ولا يفرقون بين الضحية والجلاد.

كما أننا نراهم يقومون بجرائم وأعمال بشعة يندى لها جبين الإنسانية، ولكن عبر صناعة الأفلام والشبكات الإجتماعية، يقومون بقلب الحقائق، وتوجيه صورتهم، فعلى الناشطين في مجال الثقافة، أن يقوموا ببذل جهود أكثر لمواجهة هذه الهجمة ويستخدمون القوة الناعمة في طريق محور المقاومة.

ويجب ان نؤكد على "المنظور الثقافي" ؛ أي أن الثقافة تصبح نهجًا وليس موضوعًا. مع هذه الرؤية، أولاً وقبل كل شيء، يتمتع النهج الثقافي بالقدرة على التعامل مع جميع جوانب الدولة. على سبيل المثال، في اتفاقية تعاون مع الدول الأخرى، قبل أن نرى ما هي الاتفاقيات التجارية والاقتصادية التي يمكننا إبرامها معهم، أليس من الأفضل أولاً أن نسأل عن النهج الثقافي لما يشبه نمط حياتهم؟ ما هي احتياجاتهم؟ ما هي تفضيلاتهم؟ وبعد ذلك نقوم بإعداد نظام شامل للإشكاليات الثقافية من منظورهم، وفي الإتجاه الذي نريده.

وأخيرا نرى أن هناك نشاطات جيدة بدأت في دول محور المقاومة خاصة في المجال الثقافي ونشر ثقافة المقاومة، وتبيين الصورة الحقيقية للمناضلين، وإقامة مهرجانات ونشر الكتب الثقافية وصناعة الأفلام، كما أن شاهدنا أخيراً في ايران مختلف مهرجانات فجر الثقافية، وتكريم الناشطين في هذا المجال، ونتمنى أن تتواصل مسيرة التطور الثقافي ومواجهة الإستكبار العالمي في الجبهة الثقافية، ومن خلال القوة الناعمة، نواجه الغزو الثقافي لبلداننا.