الدولة الثورية والإدارة الإسلامية في الوصايا العلوية
كلمة المستشار الثقافي للجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان السيد كميل باقر في حفل إطلاق كتاب "الوصايا العلوية للمديرين والعاملين"
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله علی سیّدنا محمّد وعلی آله الطیبین الطاهرين وصحبه الأخیار المنتجبين وعلی جمیع الأنبیاء والمرسلین. راعي حفلنا نائب الأمين العام لحزب الله، العلامة المجاهد، سماحة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ نعيم قاسم، سعادة سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان جناب الدكتور مجتبى أماني، السادة العلماء، الإخوة الأعزّاء والأخوات الكريمات، السلام علیکم ورحمة الله وبرکاته، وكلّ عام وأنتم بألف خير بمناسبة عيد ميلاد أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام).
بعد مرحلتي «النهضة الإسلامية» لإسقاط نظام الطاغوت وإقامة «النظام الإسلامي» كنظامٍ بديل، یقود الإمام الخامنئي اليوم الثورة الإسلامية في أصعب مراحلها الخمس وأكثرها أهميةً في إطار العمل على إرساء «الحضارة الإسلامية»، ونقصد هنا مرحلة تأسیس «الدولة الإسلامية». ولفهم أهمية هذه المرحلة يكفي أن نعرف أنّ «المجتمع الإسلامي» المنشود لن يتحقّق بالمعنى الحقيقي للكلمة إلا بعد تأسيس الدولة الإسلامية، وهذا يرجع إلى الدور الكبير الذي تلعبه الدولة في صناعة المجتمع. (فالناس على دين ملوكهم).
لذلك يقول الإمام الخامنئي: علينا أوّلاً -نحن المسؤولين في الدولة والمؤسسات- أن نصبح إسلاميين، وعندها سيتأثّر الناس بأعمالنا، ويتحّولون إلى مسلمين حقيقيين، وسيغدو المجتمع إسلامياً بالمعنى الحقيقي للكلمة. فبعد أن تتشكّل الدولة الإسلامیة ستکون مسؤولیّتها والتزامها تحقيق المجتمع الإسلامي.
كما يقول سماحته: إنّ المرحلة الثالثة من مراحل الثورة الإسلامية وهي التي نعيشها اليوم، هي «تأسيس الدولة الإسلامية» أي تأسيس دولةٍ وفق معايير ونماذج إسلاميةٍ بالكامل. وما لم تتحقّق هذه المرحلة بشكل كامل، لن يحين دور «تأسيس المجتمع الإسلامي»، ويبقى موضوع نمط الحياة الإسلامي ضمن مستوى ترويج الخطاب في المجتمع فقط. فلا تزال أمامنا مسافةٌ شاسعةٌ حتى نتمكّن من تأسيس دولة إسلامية. وبعد أن تنشأ الدولة الإسلامية سيحين الوقت لإرساء المجتمع الإسلامي.
تأسيس الدولة الإسلامية يعني إيجاد تشكيلاتٍ وهيكليّةٍ إداريّةٍ إسلاميّةٍ للبلاد علی مستوی جمیع السلطات والمؤسسات. فإذا کان النظام الإسلاميّ هو الإطار والقالب المناسب لتحقيق أهداف الثورة، فالدولة الإسلامية عبارةٌ عن المضمون والمحتوی المنسجم مع هذا القالب. فلا يكفي مجرّد رسم هيكليةٍ وخريطةٍ جميلةٍ لإدارة البلاد. هذه الخريطة تحتاج إلی التنفيذ العملي، وتلك الهيكليّة بحاجةٍ إلی التطبيق الفعلي حتی تثبت فاعليّتها وتقوم بحلّ مشاكل الناس فعلاً، وإلا سوف تبقی حبراً علی ورقٍ وقالباً من دون قلب.
هنا يتركّز الكلام حول الشروط الضرورية لتأسيس الدولة الإسلامية، سواءً على مستوى التشكيلات الإدارية والهيكلية التنظيمية، أو على مستوى المسؤولين والمديرين والعاملين في هذه التشكيلات العظيمة. النزاهة الاقتصاديّة ومحاربة الفساد، والالتزام بالقانون، والحكمة والعقلانية في القرارت والأعمال، والاعتماد على الإمكانات الذاتيّة في البلاد وغيرها من الشروط المهمة تعتبر من أهمّ المعايير والمؤشّرات الأساسية للدولة الإسلامية، لكنّ «العدالة» كسمةٍ رئيسية، تسود على كلّ السمات الضرورية الأخرى التي تجعل من أيّ دولةٍ دولةً إسلاميةً حقيقية.
كما أنّ من بين كلّ المواصفات اللازم توفّرها في مديري الدولة الإسلامية مثل السلامة العقديّة والأخلاقية والكفاءة العلمية والعملية، وروحيّة الزهد وخدمة الناس لدى المسؤولين، تعتبر «التقوى» الصفة الأساس والأهمّ في تكوين شخصية أيّ مدير نموذجي على طراز الثورة والدولة الإسلامية. والتقوى على صعيد المديرين والمسؤولين، ليست مجرّد القيام بالواجبات الفردية مثل الصلاة والصوم وعدم الرضوخ للأهواء والشهوات، وإنّما تشمل الالتزام بالتكاليف الاجتماعية ومقاومة الظالمين وعدم الاستسلام لهيمنة المستكبرين. وكلما كانت المسؤولية الملقاة على عاتق الإنسان أكبر يحتاج إلى درجة أعلى من التقوى. إذ إنّ «التقوى في الشؤون الاجتماعية والسياسية والقضايا العامة أصعب وأهمّ وأكثر تأثيراً وخطورةً بدرجاتٍ ودرجات»، كما يعبّر الإمام الخامنئي.
إذاً العدالة والتقوى هما السمتان الأساسيّتان في الدولة الإسلامية والإدارة الثورية. فأيّ نموذج أرقى وأنقى وأعلى وأفضل وأكمل وأجمل من الحكومة العلوية وقائدها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه أفضل صلوات المصلّين) لكي يكون قدوةً في العدالة وأسوةً في التقوى ومثالاً للإدارة الثورية والدولة الإسلامية المرجوّة؟! فالدولة الإسلامية النموذجية هي الدولة العلوية، والإدارة الثورية الإسلامية هي الإدارة العلوية، والمدير الإسلامي النموذج هو عليّ (عليه السلام).
من هذا المنطلق، اغتنم الإمام الخامنئي منذ تولّیه قيادة الثورة الإسلامية فرصة لقائه في شهر رمضان المبارك -وهو شهر التقوى- برئيس الجمهورية والوزراء وسائر أعضاء الحكومة لتسليط الضوء على وصايا أمير المؤمنين (عليه السلام) الموجّهة للمسؤولين والمديرين والعاملين في الحكومة العلوية. فالقائد يحضر دائماً هذا اللقاء السنوي وبيده نسخةٌ من كتاب نهج البلاغة، وفي الجزء الأوّل من الحديث يقرأ مقاطع من نهج البلاغة اختارها بعناية خاصّة، فيشرحها لهم لتكون هذه الوصايا مصباح طريقهم ودستوراً أعلى وميثاقاً مشتركاً بين المسؤولين في الجمهورية الإسلامية.
إنّ كتاب «الوصايا العلوية» هذا، هو مجموع ما طرح في تلك الجلسات بهدف التذكير وتربية المديرين ورجال الحكم في النظام الإسلامي والسير بهم نحو بناء الدولة الإسلامية الحقيقية. وهذا هو الإمام الخامنئي، قائدنا الإلهي الذي يأمر بوضع لوحة من كلام الأمير على حائط غرفة مكتبه، خطّ فيها: «من نصب نفسه للناس إماماْ فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره»، لتكون وصية الأمير دائماً نصب عينيه قبل غيره.
باسم مؤسسة الثورة الإسلامية للثقافة والأبحاث (مكتب حفظ ونشر آثار الإمام الخامنئي)، نشكر حضوركم في حفل إطلاق هذا الكتاب، ونسأل الله أن يكون هذا الجهد مفيداً للمديرين والباحثين في الشؤون الإدارية، ومؤثراً في إعداد وتأهيل المديرين العلويين الثوريين في عالمینا العربي والإسلامي. كما نشكر الإخوة الأعزاء في الجمعية اللبنانية للعلوم الإدارية على حسن تعاونهم معنا في ترتيب هذا الحفل، والشكر كلّ الشكر للعلامة المجاهد والمربي، سماحة الشيخ نعيم قاسم على رعايته هذا الحفل وحضوره وكلمته، والحمد لله ربّ العالمين، والسلام عليكم وعلى عباد الله الصالحين.
لتحميل الكلمة: /uploads/77/2024/Jan/29/الدولة الثورية والإدارة الإسلامية في الوصايا العلوية.pdf