المستشارية الثقافية الإيرانية في بيروت أطلقت مؤتمر "ملامح النظام العالمي الجديد"

أقامت المستشارية الثقافية للجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان مؤتمراً علمياً تحت عنوان "ملامح النظام العالمي الجديد" في مركز الإمام الخميني، للجالية الإيرانية  في بئر حسن.

البرنامج وزّع إلى ثلاث جلسات تحت العناوين التالية:

الجلسة الأولى:انزواء أميركا.

الجلسة الثانية: انتقال القوة من الغرب إلى آسيا.

الجلسة الثالثة: انتشار فكر المقاومة في مواجهة الغطرسة.

وعلى مدى نحو 7 ساعات، حاضرت العديد من الشخصيات الإيرانية، اللبنانية، اليمنية والسورية، فضلاً عن ممثلين عن السفارتين الروسية والسورية في بيروت. وأجمعت الكلمات على التوجه نحو عالم متعدد الأقطاب وأفول زمن الأحادية القطبية التي نشأت بعد تفتت الاتحاد السوفياتي عام 1991 وانهيار جدار برلين عام 1989، فانفردت الولايات المتحدة الأميركية في بسط هيمنها وسيطرتها على العالم.

وفي الكلمة الافتتاحية للمؤتمر، ألقى السفير الإيراني مجتبى أماني كلمة قال فيها:

إن عنوان هذا المؤتمر يعبر في جوهره عن إشكالية أساسية نواجهها في زمننا الحالي مفادها: هل نحن أمام نشوء نظام عالمي جديد؟ وإن صح هذا الأمر فما هي الملامح المرتقبة لهذا النظام؟ وهل إن ما نشهده اليوم من أحداث وتطورات وحروب هو المخاض الفعلي لولادة هذا النظام؟ جميعنا يدرك بأن الأديان والأعراق لا يمكنها البقاء والاستمرار من دون أن تخط لنفسها معتقدات وأهدافاً مستقبلية، فبدون تلك الأهداف والمعتقدات سيكون وجودها بلا هدف أو وازع.

وقال: لذا، نجد بأن جميع الأديان السماوية، تتشارك الإيمان بحتمية ظهور المصلح الديني العالمي وإقامة الدولة الإلهية العادلة في كل الأرض. الزرادشتيون مثلاً يبحثون عن منجّيهم "ساوشيانت"، واليهود يعتقدون بظهور مخلصهم في آخر الزمان وهو السيد المسيح والمسيحيون أيضا ينتظرون الرسول الأعظم الذي سيأتي بعد المسيح، طبق رواياتهم وأحاديثهم. أما المسلمون فيترقبون ظهور الإمام المنتظر الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلا بعدما ملئت ظلما وجوراً.

وأضاف: الخلاف على هوية المصلح الديني العالمي يبدو ظاهراً وكأنه من العلامات على الاختلاف بين الأديان، إلا أنه في الواقع نقطة تقاطع بين جميع هذه الأديان حول حتمية وصول البشرية إلى نظام عالمي تتحقّق فيه جميع أهداف الأنبياء، نظام يقوم على القوانين والأوامر الإلهية، وعلى العدالة. فالعدالة هي الحلقة المفقودة في العالم الراهن وهي الوعد الإلهي الذي لا بد أن يتحقق. وهنا يعطي الله سبحانه وعداً قاطعاً لأهل الإيمان والعمل الصالح، أن العاقبة في هذه الدنيا سوف تكون للصالحين، وأنها ستكون "أمناً بعد خوف" و"عدلاً بعد ظلم"، وأن الذي يسود العالم في النهاية هو دين الله بكل ما فيه من قيم صحيحة وعلى رأسها العدالة التامة. وحتى الأيديولوجيات الفكرية والسياسية التي ابتدعها الإنسان وطورها على مر العقود كـ "الليبرالية" و"الشيوعية"، فإنها تشترك في التطلع إلى عالم تسود فيه مبادئ وتوجهات وخطاب أيديولوجي واحد. ولكن هذا النظام العالمي الموحد الذي بشر به الأنبياء والرسل الإلهيون، تصبو إليه جميع شعوب العالم.

وتابع: "وعليه بات من الضروري، أن نبحث في ملامح هذا النظام وأن نجد الأيديولوجية والثقافة السائدة والمتقدمة، وأن نضع جانباً الثقافات والأيديولوجيات القائمة على الإلغاء والإقصاء والتفرد. وفي هذا المجال، تبرز أهمية المسار الدولي الراهن الذي ينحو باتجاه الخروج من بوتقة الأحادية القطبية التي تفتعل الحروب والمؤامرات ضد الجميع حفاظاً على هيمنتها، إلى رحاب التعددية القطبية الواسع الذي أبدت فيه العديد من القوى الصاعدة رغبتها بأن تكون شريكاً في تطوير النظام الدولي واستعدادها السياسي والمؤسساتي والاقتصادي اللازم لولوج طريق النمو الاقتصادي والتنموي البشري، على النحو الذي يتيح إحقاق بعض من العدالة الإنسانية المبتغاة.

وختم السفير أماني: ثمة الكثير من التحديات العالمية سيكون على المجتمع الدولي والقوى الصاعدة مواجهتها في المرحلة المقبلة، وعلى رأسها مسألة تكوين النظام العالمي الجديد. كلي أمل بأن نتمكن في مثل هذه الاجتماعات من مناقشة هذه المسألة بشكل معمق، شاكراً لكم مشاركتكم الكريمة والقيمة في المؤتمر، ومتمنياً للجميع الخير والبركة والتوفيق.

وكان من أبرز المحاضرين في الجلسة الأولى المستشار الثقافي للجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان السيد كميل باقر الذي قال في كلمته:

اجتمعنا في بيروت كي نتحاور سوية ونتناقش حول النظام العالمي الجديد الذي يتشكل حالياً. بيروت هي المدينة التي تحدثت فيها وزيرة خارجية أميركا في العام 2006 وفي خضم حرب تموز التي شنها الكيان الصهيوني الموقت على لبنان حول تشكل «الشرق الأوسط الجديد» وقالت إن جرائم الحرب التي يرتكبها الإسرائيليون في لبنان إنما هي مخاض ولادة هذا الشرق الأوسط الجديد! طبعاً، الشرق الأوسط الذي كانت تتطلع إليه كان شرق أوسط خاضع لهيمنة أميركا ونفوذها ويخدم تمتين دعائم العالم أحادي القطب المتمحور حول أميركا، لكن ما جرى على أرض الواقع كان مختلفاً.

وأضاف: مرت سنوات عدة قبل أن يستفيق الأميركيون المتكبرون والواثقون من أنفسهم ويصدقوا أن مرحلة الأحادية القطبية والغطرسة قد انتهت، وأنهم لم يعودوا القوة الوحيدة في العالم بلا منازع، وأن الأمر لا يقتصر على الشرق الأوسط فقط، بل إن كل بقعة من بقاع هذه الأرض في طريقها للتحرر من هيمنتهم ونفوذهم، وإن أميركا تؤول إلى الضعف وتتجه نحو الأفول، في داخلها وخارجها، وكذا الأمر في ساحة القوة الصلبة، والأهم من هذا كله في ساحة القوة الناعمة.

وأردف باقر: إن العلامات على هذا الأفول باتت اليوم واضحة لدرجة أن الأميركيين يقرون بها قبل أي شخص آخر، بل ويستدلون على هذا الأمر أيضاً. الأزمات الداخلية لأميركا في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية باتت جلية لدرجة أن المفكرين الأميركيين باتوا يتكلمون بصراحة عن ذهاب «الحلم الأميركي أدراج الرياح. وإلى جانب المشكلات المحلية، نلحظ تسارعاً في فقدان أميركا سيطرتها على الأجزاء من العالم التي كانت يوماً تدور في فلك المنظومة الأميركية، ونشاهد ظهور قوىً صاعدة مناهضة لأميركا إضافة إلى انعقاد تحالفات عالمية جديدة وتنامي فكر التصدي للهيمنة الأميركية في أنحاء العالم، وعليه، يمكننا القول أيضاً أن أميركا تقترب من حافة الهاوية.

وتابع: الواقع اليوم هو ما أشار إليه قائد الثورة الإسلامية سماحة آية الله العظمى الإمام الخامنئي في الكلمة التي ألقاها قبل شهر في جمع من التلاميذ الإيرانيين، إذ قال أن نظاماً عالمياً جديداً يتشكل وخطوطه العريضة الأساسية هي عبارة عن:

- انعزال أميركا وانزوائها: لن تبقى أميركا القوة المهيمنة في النظام العالمي الجديد وسوف تجبر على أن تلملم وجودها من أنحاء العالم.

- انتقال القوة على المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية من الغرب إلى آسيا: في الواقع، سوف تعود القوة التي كانت في الأساس حاضرة في آسيا وانتقلت إلى الغرب خلال القرنين أو القرون الثلاثة الماضية بواسطة النهب الذي مارسه المستعمرون الغربيون، سوف تعود إلى موطنها الأساسي أي الشرق.

- تنامي فكر المقاومة وجبهتها مقابل الغطرسة:

سوف يزول في النظام العالمي الجديد تقسيم العالم إلى بلدان مهيمنة وراضخة للهيمنة، ولن ترضخ الشعوب المستضعفة بعد اليوم لظلم الحكومات المستكبرة عبر الاستلهام من النماذج الناجحة للمقاومة، وسوف تصمد أكثر من السابق أمام القوى المتعجرفة والمتجبرة.

وختم: يسر المستشارية الثقافية التابعة لجمهورية إيران الإسلامية في لبنان أن تستضيف اليوم جمعاً من المفكرين والباحثين اللبنانيين وغير اللبنانيين لتتناقش معهم حول ملامح النظام العالمي الجديد وتتبادل الآراء. إن تشكل نظام عالمي جديد حقيقة حتمية ومبنية على السنن الإلهية السائدة على العالم التي لا مفر منها، ومسؤولية المفكرين والمثقفين وأهل الثقافة والفن والإعلام هي أن يسهلوا تحقق هذه الحقيقة عبر بث الوعي والتبيين الصحيح لجوانب هذا التحول العظيم المقبل إن شاء الله.

ومن أبرز المحاضرين: المفكر الفلسطيني منير شفيق، رئيس الجامعة اللبنانية السابق الدكتور عدنان السيد حسين والباحث في العلاقات الدولية الدكتور وليد شرارة.

وقال الدكتور شرارة: إن العولمة التي أرادتها أميركا باءت بالفشل، وهي عاجزة بمفردها عن إكمال الحروب التي أشعلتها بمساعدة أوروبا وآخرها الحرب بالوكالة في أوكرانيا.

وتحدث شفيق، فقال: إن ما دفع أميركا لخوض الحرب في أوكرانيا هو يقينها بأن أحاديتها بدأت تنهار.

كما تحدث في المؤتمر في جلسته الثانية الباحث السياسي رياض صوما، الباحثة في الشؤون الدولية هدى رزق، الباحث في مركز دراسات الوحدة العربية جمال واكيم، الباحث في الشؤون السياسية والاقتصادية نبيل سرور، المحاضر الجامعي في التاريخ المعاصر الدكتور عماد رزق، والخبير العسكري والاستراتيجي والسياسي  عمر معربوني.

وتحدث الحاضرون عن هيمنة الصين وقوتها الاقتصادية وعن الانفتاح في العلاقات الآسيوية خاصة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ما شكل قوة اقتصادية ضخمة قادرة على الوقوف في وجه القوة الأميركية.

ورأى المحاضرون في كلماتهم أن المستقبل هو للقوة "الآسيوية" التي أصبحت تنافس أميركا اقتصادياً وعسكرياً خاصة بعد غرق الأخيرة في حرب أوكرانيا إثر العملية العسكرية الروسية فيها.

كما عزا الحاضرون الأسباب الأساسية التي دفعت بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى العملية العسكرية في أوكرانيا بإسقاط وإحباط مشروع "إسرائيل" جديدة شرقي أوكرانيا، وهذا ساهم في القضاء على أحلام "إسرائيل" ومعها الولايات المتحدة الأميركية.

أما الجلسة الثالثة، فضمت كلاً من المستشار السياسي في سفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان بهنام خسروي، النائب السابق ورئيس تحرير جريدة البناء ناصر قنديل، رئيس مركز الاتحاد للدراسات والأبحاث هادي قبيسي، الباحث والكاتب والمحلل السياسي مفيد سرحال، والكاتب والباحث السياسي روني ألفا.

وشدد الحاضرون في الجلسة الأخيرة على "انهيار وتفتت استكبار وغطرسة الولايات المتحدة الأميركية أمام ضربات المقاومة في لبنان والمنطقة والتي استطاعت من فلسطين إلى سوريا والعراق واليمن وغيرها من الدول التحررية كفنزويلا أن تشكل مارداً قوياً يصنع معادلة دولية جديدة ويخضع دول الاستكبار لإعادة النظر بمعادلة موازين القوى أمام الحضور الوازن والفعال للمقاومة".

وفي الختام، رأى المجتمعون "أن أميركا إلى انزواء وعزلة وأفول والعالم اليوم سيشهد ولادة قوة آسيوية تقضي على الهيمنة الأوروأميركية".

الکلمات المفتاحیة
{author_name}
صورة المؤلف :

لبنان بیروت

لبنان بیروت

أکتب تعلیقک.

:

:

:

: