قضية فلسطين؛ رؤية الإمام الخامنئي وموقف الشعب الإيراني
قضية فلسطين؛ رؤية الإمام الخامنئي وموقف الشعب الإيراني كلمة المستشار الثقافي للجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان السيد كميل باقر في اللقاء التشاوري العلمائي بمناسبة يوم القدس العالمي
بسم الله الرحمن الرحيم
قد لا يعرف البعض أنّ فكرة الدفاع عن حقوق الشعوب المظلومة ودعم المستضعفين في العالم حاضرة بقوّة وصراحة في دستور الجمهوریة الإسلامية الإيرانية كأصل أساسي ومبدأ رئيسي لا يمكن التخلّف عنه، حيث تنصّ المادة ۱۵۴ من الدستور الإيراني تحت فصل السياسة الخارجية أنّ «الجمهورية الإسلامية تعتبر سعادة الإنسان في المجتمع البشري بأسره هدفاً سامياً من أهدافها العليا، وتری بأنّ الاستقلال والحرية وحكومة الحقّ والعدل هي حقّ لكلّ الناس في العالم، وبناءً علی ذلك وبينما تجتنب تماماً أيّ نوع من أنواع التدخّل في الشؤون الداخلية للشعوب الأخری، فإنّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية تدعم النضال المحقّ للمستضعفين في وجه المستكبرين في أيّ نقطة من العالم.» (انتهی الاقتباس)
اليوم وبعد مرور أكثر من ۴۴ عاماً علی انتصار الثورة الإسلامية في إيران ووقوف الجمهورية الإسلامية إلی جانب الشعوب المظلومة والمضطهدة خلال كلّ هذه العقود وباستمرار، بات جلياً مدی مصداقية النظام الإيراني في التزامه العملي بشعاراته الثورية وحجم جهده الحقيقي في سبيل تحقيق تلك الأهداف السامية التي رسمها دستوره وسیاساته العليا.
وفي ما یخصّ «قضية فلسطين» فالمسألة أكثر خطورة وأهمية بالنسبة للنظام الإسلامي والشعب الإيراني؛ فإنّ الشعب الإيراني المسلم يری انتصاره ناقصاً من دون الانتصار لقضيّة فلسطين، ويری القضية قضيته المركزية فيكون مستعدّاً للتضحية من أجلها، فيطالب النظام والدولة بمتابعة القضية ودعم الحركات المقاومة الشريفة، ويعبّر عن إرادته الصارمة في دعم قضية فلسطين من خلال كلّ المناسبات والفرص المتاحة أمامه، لا سيّما عبر مشاركته الواسعة في مسيرات الموعد السنوي الرئيسي لإحياء هذه القضية أعني الجمعة الأخيرة من شهر رمضان ویوم القدس العالمي. إذاً المقاومة الفلسطينية لا تحظی فقط بدعمٍ مطلق حقيقي من قبل النظام الإيراني، وإنمّا تحظی بتأييد جماهيري واسع من قبل الشعب الإيراني أیضاً. وإيران الإسلام دافعت وتدافع عن شعب فلسطين ودفعت وتدفع التكاليف المترتبة علی هذه السیاسة الثابتة التي اتبعتها وهذا القرار الإسلامي والانساني الصائب.
إضافة إلی ذلك نجد أنّ قائد الثورة الإسلامية وإمام جبهة المقاومة سماحة آية الله العظمی السیّد علي الحسيني الخامنئي (دام ظلّه) لديه مواقف ثابتة ومنسجمة تجاه هذه القضية، وعنده خطة متكاملة وواقعية تهدف إلی إزالة الكيان الصهيوني الغاصب، وما نشاهده الیوم في الميدان من تقدّم المقاومة وتطوّر الأحداث وقلب الموازين والمعادلات لصالح الشعب الفلسطيني الأبيّ هو نتيجة تطبيق هذه الخطة والالتزام العملي بتلك المواقف المبدئية. فی ما يلي أعرض عليكم أهمّ النقاط العشر في هذه الخطة بشكل مختصر جدّاً:
- إن قضّية فلسطين هـي أهـــّم قضايا الـعـالـم الإســلامــي، ولا توجد أي قـضـّيـة عالمية فــي الـعـالـم الإســلامــي أهـــم مـنـهـا وأكثر فورية وأولوية، وذلـــك لأن تسلط غـاصـبـي أرض فـلـسـطـيـن والـــقـــدس عـلـى هـــذا الـــجـــزء مـــن جـسـد الأمـــة الإســـلامـــّيـــة هـــو مـــصـــدر الـكـثـيـر مـــن الــضــعــف والـــصـــعـــوبـــات فـــي كلّ الـعـالـم الإسلامي.
- إنّ اسرائيل هي أســـاًســـا غـــّدة سـرطـانـيـة يـجـب أن تـسـتـأصـل مــن الـمـنـطـقـة. إذاً الهدف واضح ومحدّد ودقيق؛ إزالة إسرائيل من الوجود. ولا شك في أنّ هذا الكيان الذي تكوّن على أساسٍ باطل سوف يزول ويقضى عليه بتوفيقٍ من الله وبهمم الشعوب المسلمة.
- فلسطین هـي فلسطین «مــن النهر إلی الـبـحـر»، ولـیـس أقــل مـن ذلــك حتی بـمـقـدار شـبـر، ولا تقبل التجزئة وهي کلها ملك لفلسطينيين فقط.
- القدس عاصمة فلسطين الأبدية، وإنّ أي محاولات لإعلانها عاصمة للكيان الصهيوني ستبوء بالفشل حتماً.
- مشروع الجمهوریة الإسلامية لحل قضیة فلسطین ولـمـداواة هذا الـــجـــرح الــقــدیــم مـــشـــروع واضــــح ومـنـطـقـي ومــطــابــق لــلــعــرف الـسـیـاسـي المقبول لـدی الــرأي العام العالمي، إننا لا نقترح الحرب الكلاسیكیة لجیوش البلدان الإسلامية، ولا رمي الیهود المهاجرین في البحر، ولا تحكیم منظمة الأمم المتحدة وسائر المنظمات الدولیة. إننا نقترح إجــراء استفتاء للشعب الفلسطیني، ونقول من حق الشعب الفلسطیني كأي شعب آخر أن یقرر مصیره ویختار الـنـظـام الـــذی یحكم بــــلاده. یــشــارك كــل الفلسطینیین الأصـلـیـیـن من مسلمین ومسیحیین ویـهـود – ولیس المهاجرين الأجـانـب – أیــن ما كــانــوا، فــي داخـــل فلسطین أو فــي المخیمات أو فــي أي مـكـان آخــر، في استفتاء عـام ومنضبط، ویـحـددون النظام المستقبلي لفلسطین. وبــعــد أن یستقر ذلـــك الــنــظــام والـحـكـومـة المنبثقة عــنــه، ســـوف یقرر أمـــــر الـــمـــهـــاجـــریـــن غـــیـــر الـفـلـسـطـیـنـیـیـن الــــذیــــن انـــتـــقـــلـــوا إلـــــی هـــــذا الـبـلـد خــلال الأعـــوام الماضیة. هــذا مـشـروع عــادل ومنطقي یستوعبه الــرأی الـــعـــام الــعــالــمــي بـــصـــورة صـحـیـحـة، وبـــالـــطـــبـــع، لا نــــتــــوّقــــع أن یــــرضــــخ الــصــهــایــنــة الـــغـــاصـــبـــون لــــه بـــســـهـــولـــة.
- طالما أنّ الكيان الغاصب لا يقبل بالحلّ الديموقراطي للمسألة، يبقی هناك حلّ وحيد وعلاج واحد فقط للقضاء علی هذه الغدة السرطانية وهو الجهاد والمقاومة المسلحة الحاسمة ضد هذا الكيان المعتدي والمحتل. وهذه المقاومة أثبتت وتثبت یوماً بعد یوم جدواها.
- إنّ عمليات التطبيع مع العدوّ الصهيوني التي تجري في المنطقة واحدة من أكبر الخيانات لفلسطين وللمسلمين، وإنّ الحكومات العربيّة وغير العربيّة الذين صافحوا الصهاينة لن يجنوا أيّ منفعة من هذا العمل.
- إنّ الضفة الغربية يجب أن تتسلح أيضاً وشأنها شأن غزة. وهذا ما يجب أن يقوم به الذين يعربون عن اهتمامهم بمصير فلسطين. لأنّ الشيء الوحيد الذي يمكنه أن يقلل من محنة الفلسطينيين هو أن تكون لهم يد قويّة خاصّة بهم، وإلّا فإنّ التعاطي الليّن والخانع والاستسلامي تجاه العدو لن تكون فيه أي منافع للفلسطينيين.
- الفلسطينيون، سواء في غزة أم في القدس أم في الضفة الغربية وسواء كانوا في أراضي ألف وتسعمائة وثمانية وأربعين أو في المخيّمات، يشكلون بأجمعهم جسداً واحداً، وينبغي أن يتّجهوا إلى استراتيجية التلاحم. ووحدة الساحات التي نشاهدها الیوم في فلسطين هي الترجمة العملية لهذه الاستراتيجية.
- إنّ الدعم الشامل لأبناء الشعب الفلسطيني وحمايتهم الكاملة واجب علی جمیع الشعوب المسلمة والحكومات الإسلامية، وإنّ قضية فلسطین لا تختصّ بالفلسطينیین فقط کما لا تختصّ بالعرب والمجاورین لفلسطین. واجب المسلمین هو تجهیز ومساندة المجاهدین، بکل أشکال الدعم المعنوي والمالي والسیاسي والعسكري.
نسأل الله أن یوفّقنا جمیعاً لمعرفة واجباتنا تجاه الأمة الإسلامية وأن يعيننا علی القیام بها.
والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته.
أکتب تعلیقک.