• 22/11/1443 - 13:24
  • 949
  • وقت القراءة : 8 minute(s)

مناجاة عرفانية: للشهيد الكبير مصطفى شمران‏

بسم الله الرحمن الرحيم‏ كلمات لم أكتبها ليقرأها أحد ويترحم علي، إنما كتبتها لأسكن قلبي الملتهب وأهدى‏ء بركاني الداخلي.

بسم الله الرحمن الرحيم‏

كلمات لم أكتبها ليقرأها أحد ويترحم علي، إنما كتبتها لأسكن قلبي الملتهب وأهدى‏ء بركاني الداخلي.

في اللحظات التي يشتد فيها الألم والعذاب إلى أقصى حدوده، تتصاعد نيران قلبي المشتعل لهيباً، ولا أستطيع التحكم في بركان داخلي المتفجر، عندها كنت ألجأ إلى القلم، وعبره كنت أقلع شرارات عذابي واحدة واحدة وأصبها على الورقة... ورويداً رويداً أعود إلى حالة الهدوء والسكون..

كل ما كان في قلبي كنت أكتبه على الورقة وأضعها أمامي. وفي أحلك ساعات الوحدة، وقت المناجاة، كنت أرى انعكاس وجودي على هذه الورقة، فتخرجني من وحدتي...

لم أكتب هذا لأمنن به على أحد، إنما المنة علي للورق لأنه تقبل ألمي وعذابي..

هنا، القلب يحترق، الدموع تغلي، الوجود يصبح رماداً، والإحساس يتكلم..

هنا، لا وجود للفخر والترفع والإدعاء.

فالصرخة التي تدوي في السماء تنبع من قلب ملؤه ألماً.

ما أجمل مناجاة ذلك الدرويش المحترق قلباً في منتصف الليل.

صيحة ذلك الثوري الاستشهادي في ساحات الموت.

الاعتراض القاسي للمظلوم تحت سيف الظالم.

الصرخة الهادرة للحق، الصادرة من حنجرة الفدائي،

على كل ظالمي العصر.

وما أجمل غسل اليد من الروح وتطليق الدنيا ثلاثاً.

التحرر من كل قيود الحياة.

قتال الظالمين بدون خوف وألم.

رفع راية الحق في ساحات الخطر والموت.

قول لا لكل الطواغيت.

الذهاب إلى الشهادة بكل فخر وسرور.

ها هنا، لا وجود لمصلحة لتفتدى الحقيقة بها، ولا خوف من أحد ليكتم الحق من أجله.

هنا، الحق والعدل كالشمس يشعان، وكل القدرات والمقدسات المزيفة تسقط، ولا سلطة وقدرة لغير الله.

إني أحب تلك الحرية، ومسرور لأني جربتها في أيام حياتي الصعبة.

يطيب لي أن أفصل وأقطع عن كل شي‏ء، ولا يكون لي أنيس ومساعد سوى الله.

يطيب لي أن أطلق الأرض تحتي والسماء العالية فوقي وأن أتحرر من كل متعلقات الحياة والدنيا.

يسرّني أن أذهب مجهولاً إلى الضعفاء والمظلومين لأشاركهم عذابهم وألمهم، وأن أحارب مع الثوريين الأفارقة وأنال الشهادة معهم.

يسرني ويطيب لي أن يحرقوني وينثروا رمادي في الهواء حتى لا يكون لي مساحة قبر في هذه الدنيا.

أحب أن لا يعرفني أحد، ولا يعرف أحد عن غمي وهمي، ولا يطلع أحد على مناجاتي في الليل، ولا يرى دموعي المحرقة في الليالي أحد، ولا يحبني أو يلتفت لي أحد، وغير الله لا يكون لي أحد، ولا مناجاة لي مع غيره، ولا أنيس لي وملجأ سواه.

أحب ويطيب لي أن أتحرر من كل القيود وأجلس على رأس جبل أراقب غروب الشمس في بحر الوجود، وأهب حياتي كلها لهذا الجمال الإلهي الذي يدغدغ وجودي ويفتح قلبي المحترق ويحرر بركاني المشتعل ويصب دموعي لتكون عصارة حياتي، ويحل العقد والضغوط عن قلبي وروحي ويخفف عني الغموم والآلام القاتلة، ويحول الغم عندي إلى عرفان، والألم إلى فداء.

عندها ليأخذ ذلك الجمال حياتي، ويستلم كل وجودي، ولتحلق روحي في أنواره عابرة إلى الحياة الأبدية بطمأنينة وسلام، لتصل إلى المعراج وترتاح من ألم الوجود، وتبقى لساعات وساعات على ذلك الحال من السير إلى الملكوت.

يطيب لي في وسط الليالي حيث الأرض والسماء في سكون أن أقوم للمناجاة لأتحدث مع النجوم وأفرج عن قلبي بأسرار السماء، وأسير وأصعد ببطء في عمق المجرات نحو العالم الذي لا نهاية له وأترك عالم الوجود وأغوص في وادي الفناء حيث لا أحس بشي‏ء هناك سوى الله.

إلهي إغفر لي ذنوبي التي أحاطت بي ولا علم لي بها، وذنوبي التي بألف دليل أبررها، ولا علم لي بقباحتها.

إلهي أخجل وأستحي من نفسي أت أقف أمامك بعد كل هذه الرحمة والعناية بي، وأنا أصغر من أن أشكرك لأن الشكر مني تقصير وإهانة لساحتك المقدسة.

إلهي، إن الناس احترمتني ولطفت بي كثيراً وإنني لأخجل من ذلك وأرى نفسي قاصرة عن القيام بما عهدوه إلي، لذلك يا إلهي أطلب منك الفرصة والقدرة على ذلك، وأن تجعلني أهلاً لهذا الحب والاحترام.

إلهي سنوات عديدة قضيتها بالغربة مجاهداً مع مستضعفي العالم وقد تركت كل شي‏ء لأجل ذلك وعشت على أمل أن أعود يوماً ما إلى إيران وأهب كل طاقتي واستعدادي لها.

إلهي، نظرت في ثورات مصر والجزائر وبعض الدول الأخرى ورأيت كيف أن قواد هذه الثورات اختلفوا مع بعضهم ووقع القتال والدم بينهم وأثبتوا عدم رشدهم الثوري والإنساني وأسعدوا بذلك الأعداء. وإن أمنيتي أن يبقى قواد ثورتنا المباركة في الأيام المقبلة متحدين قد نسوا أنفسهم وأمنياتهم الشخصية، ويثبتوا للعالم إختلاف هذه الثورة عن بقية الثورات، حيث هنا الله والمذهب والهدف يتغلب على حب النفس والغرور ويكونوا نموذجاً للتكامل الإنساني.

إلهي قد كنت أتمنى أن يتحرر بلدي لأعمل على بنائه بعيداً عن كل الكذب والتزوير والتهم والعداوة ولأتقرب إليك أكثر.

إلهي إنك تعلم أن وجودي متعلق بلطفك، واسمك قد قرأوه في أذني لحظة ولادتي، وذكرك عقد في قلبي.

إلهي تعلم أني لم أنسك لحظة في حياتي وأنت وحدك من أعانني في غربتي ووحدك كنت أنيسي في الليالي المظلمة تسكّن أوجاعي وتحفظني في ساعات الخطر، وأنت وحدك كنت ترى دموعي وتضمد قلبي المجروح.

إلهي تعلم أني أثناء حياتي المليئة بالمصاعب لم أنسك لحظة واحدة.

ثرت وجاهدت في كل الأماكن دفاعاً عن الحق والدين والمذهب، وبينت لكل المخالفين كمالك وجمالك وجلالك دون الخوف من التهمة والأذية.

في تلك الأيام التي كان الملتزم فيها يعد رجعياً ومتخلفاً، وقليلون هم الذين تجرأوا ودافعوا عن الدين. كنت في كل الأمكنة حتى في بلاد الكفر رافعاً راية الإسلام. وبالإرشاد المنطقي والقلبي جعلت المخالفين يحترمونني. وتعلم يا إلهي أن كل ذلك لأجلك ولا محرك لي إلا أنت.

إلهي لا أريد أجراً لقاء آمالي وأفعالي، ولا أفتخر بها، فكل ما عندي منك، والتوفيق والقوة والوجود منك، وليس لي شي‏ء من نفسي لأطلب الأجر عليه.

إلهي أعتذر إليك لأنني أجزت لنفسي أن تناجيك، فقد ادعت كثيراً وأظهرت وجوداً لها مقابلك، مع علمي أن وجودي هو منك وبدونك فإني لا شي‏ء.

والعجب أني أتحدث عن نفسي فأطلب وأتمنى.

إلهي عشقتني لأحترق في قلب العشاق.

وجعلتني دموعاً لأغلي في عيون اليتامى.

وجعلتني صرخة آه التي تصعد من صدور الأرامل إلى السماء.

إلهي جعلتني الصرخة لأكون كلمة الحق في وجه كل الجبابرة.

إلهي جعلتني حجة حتى لا يخدع أحد نفسه.

إلهي جعلتني مظهر قيمك ومقياساً يقاس به الإخلاص والعشق.

إلهي أنت الذي حرقتني بنار العشق ورميتني في طوفان الحوادث، وفي حفرة الغم والألم جعلتني، وفي بحر المصيبة والبلاء أغرقتني، وفي صحراء الفقر والحرمان والوحدة حرقتني.

إلهي أنت الذي علمتني أن الأنا متاهة وسريعة الزوال، وأن الزمان لا يدوم، وأنت الذي علمتني قيمة الشهادة والإستشهاد.

إلهي شكراً لك لأنك حررتني من كل القيود، وتركتني في الحوادث الخطرة، وأغرقتني في محاربة الظلم والكفر، وفهمتني حقيقة واقع الحياة.

فعلمت أن السعادة في الحياة لا تنال بالفرح والهدوء والراحة ولكن بالألم والمصيبة والعذاب وقتال الظلم وبالشهادة.

إلهي لك الشكر لأنك خلقت الدمع فهو عصارة الحياة الإنسانية.

ففي ساعات احتراقي بالعشق وشدة الألم، أو في لحظات ذوباني في الجمال والعرفان، أصبح ماءً وروحاً ويسيل وجودي بشكل دمع وهو أفضل ما تعطيه هذه الحياة.

إذا أراد الله العزيز مني سنداً فسأقدم قلبي، وإن أراد مني عمري فسأقدم دموعي.

إلهي أنت أسلت دموعي فنزلت على الإنسان كنزول المطر على الأرض اليابسة، وأنت الذي جعلتني أصرخ فأصبح كالرعد هادراً.

أنت الذي جعلتني في حالة الألم والغم لأكون مع المحرومين.

أنت الذي عشقتني لأحترق في قلب العشاق.

أنت الذي جعلتني نوراً لأضي‏ء في هذه السماء المظلمة، وأكشف ظلمة هذا الليل الطويل.

إلهي أنت الذي زهدتني ليكون لي وجود في ساعات الألم والغم والهزيمة، ولأكون وحيداً معك في ساعات النصر وتقسيم الغنائم.

إلهي لك الشكر لأنك أخذت مني الألم والغم الشخصي حيث كان قبيحاً وقاتلاً وأعطيتني الألم والغم الجميل الإلهي.

إلهي أنت الذي حرقتني بنار العشق ورميتني في طوفان الحوادث، وفي حفرة الغم والألم جعلتني، وفي بحر المصيبة والبلاء أغرقتني، وفي صحراء الفقر والحرمان والوحدة حرقتني.

إلهي لك الشكر لأنك جعلتني حجر الرحى، وقدرة تحمل كل العذاب والآلام والضغوط أعطيتني، فصرت أفر من مجالس الفرح والسعادة إلى مراكز الخوف والبلاء والعذاب.

إلهي لك الشكر لأنك خلقت الغم والهم وجعلتني من عبادك المخلصين الذين يتحملون ذلك.

إلهي كنت أحترق بعذابي الشخصي، فأغرقتني بألم وعذاب المحرومين والمظلومين والمنكسرين حتى نسيت عذابي الشخصي.

أنت الذي عرّفتي على عذاب وآلام كل مظلومي التاريخ، فعرّفتني بعلي وحسين، ووضعت على قلبي آلام زينب وعذابها.

أنت الذي مع التاريخ وحّدتني.. فنسيت نفسي فيه وأصبحت مع الأزل واحداً، فلك الشكر على هذه النعمة الكبيرة.

إلهي لك الشكر لأنك أعطيتني الألم ونعّمت علي بدركه، ولك الشكر لأنك أحرقت روحي بنار الغم وأحرقت قلبي ليبقى موطناً لك فقط.

إلهي شكراً لك على كل ما أعطيتني،

جسم سالم جميل، رجل قوية وشديدة، ساعد قادر، يد خلافة، فكر عميق وذهن حاد ودرجات علمية رفيعة، ونعم كثيرة من الجمال والكمال،

فلك الشكر على كل ذلك.

أما يا إلهي الكبير، أعطيتني شي‏ء لا أستطيع أن أشكرك عليه وهو الألم والغم الذي امتزج مع وجودي فأصبح لا يبغي إلا الحقيقة، ولا طريق له إلا الفداء والجهاد، ولا ينبع منه شي‏ء سوى العشق.

فلا أستطيع شكرك على ذلك.. وأعطي نفسي الجرأة لتطلب منك أن لا تسلبه مني يا رب.

إلهي لك الشكر لأنك لم تحوجني إلى أحد فلا أتوقع من أحد شيئاً.

إلهي أعتذر إليك لأني أقف مقابلك وعن نفسي أتحدث وأعتبرها شيئاً فتشكرك وتقف مقابلك تحسب أنها طرف.

إلهي إن الذي أقوله يغلي في قلبي ومن روحي ينبع.

إلهي قلبي مجروح ومكسور، مظلوم محروم، فقد الأمل في كل شي‏ء، وأمام مستقبل مظلم وصلت. أعرفك أنت فقط ونحوك فقط أسير وإياك فقط أناجي.

إلهي هذا القلب المنكسر يتحدث معك فقط، وقد ورث سنوات من المصائب والعذاب حتى وصلت إلى أعماق عظامه، فلا أمل له ولا يرى سوى الظلم والحرمان والمستقبل المظلم.

إلهي أنت الذي تسمع استغاثتي في الليالي بين كل هذه التهم والكذب والفحش، فتأتي على قلبي بنورك وتجيب استغاثتي.

أنت الذي لم تتركني في مواقع الخطر،

وكنت أنيسي في صحراء الوحدة،

وساعدتني في الظلمات يوم لا عقل ولا منطق كان قادراً على المحاسبة والعمل،

فألهمت قلبي وسلّحتني بالرضا والتوكل، وهديتني في المسير المظلم والمجهول والمرعب.

إلهي إني متعب وقلبي مكسور ومظلوم من هذا التاريخ الظالم، ذابل من جهل هذا المجتمع،

غير قادر على الصمود في وجه هذه الحوادث،

لا أمل لي في هذا الأفق المظلم والمجهول،

وحدي... فقير... سجين في سجن الحياة.

قلبي المغموم يتمنى الحرية، وروحي الذابلة تطلب العروج والتحليق لتترك هذه الغربة السوداء

يا إلهي أشكرك لأنك فتحت لي طريق الشهادة لأتحرر من هذه الدنيا نحو السماء،

ولأنك أعطيتني أسعد لحظات الأمل في حياتي.

وعلى أمل الخلاص يّسرت لي تحمل كل الآلام والعذاب والتعذيب.

لبنان بیروت

لبنان بیروت

أکتب تعلیقک.

:

:

:

: