• 16/02/1445 - 14:09
  • 177
  • وقت القراءة : 14 minute(s)

ندوة فكرية بعنوان "الرؤية الحضاريّة عند الإمام موسى الصدر"

في الذكرى الـ 45 لتغييب الإمام السيّد موسى الصدر، نظمت المستشاريّة الثقافيّة للجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة في لبنان ندوة فكرية بعنوان "الرؤية الحضاريّة عند الإمام موسى الصدر"  وذلك في مركز الإمام الخميني الثقافي ببيروت، حضرها ممثل رئيس مجلس النواب نبيه بري النائب محمد خواجه وممثل شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ سامي أبو المنى ممثلاً بالشيخ عامر زين الدين وممثل وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى الدكتور نزار يونس، وفد من حركة التوحيد الإسلامي من طرابلس، ممثل السفير الإيراني مجتبى أماني المستشار السياسي في السفارة الإيرانية السيد نبيوني و العلامة الحجة السيد عيسى الطباطبابي وحشد من العلماء والشخصيات وممثلي الأحزاب اللبنانية والفصائل الفلسطينية وجمع من النخب الثقافية والمهتمين.

وبعد تلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم للشيخ فراس السنكري، رحب الدكتور علي قصير بالسادة الحضور والمشاركين في الندوة من شخصيات علمائية رسمية وسياسية، إعلامية وثقافية واجتماعية تمثلت بحضور لبنان الجامع بكافة أطيافه الإسلامية والمسيحية، وبعد الترحيب تحدث الدكتور علي قصير عن "مزايا الإمام المغيب السيد موسى الصدر وتأثيره الإيجابي والإنساني في الوحدة اللبنانية، ومحاولة نهوضه بالوطن ورفع غبن الحرمان عن كل لبناني محروم، حتى أضحى الإمام موسى الصدر هوية الاعتدال الوطني التي يشهد لها الجميع".

وقد افتتحت الندوة بكلمة للشيخ ماهر حمود رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المقاومة

حيث بدا سماحته الكلمة عن فكر سماحة الإمام موسى الصدر ودعوته للوحدة الإسلامية ومن ثم محاولاته أن يوحد كل اللبنانيين حول مفهوم الوطن والمواطنة.

ووصف الشيخ ماهر حمود، كيف كان الإمام الصدر يصلى بمسجد كفرشوبا ويحاضر في الكنيسة وخاصة محاضرته الشهيرة في كنسية الكبوشيين، حيث أشعر الناس بأنه لهم جميعا، وتفاعل معه الشعب اللبناني من مختلف الطوائف وأصبح ينظر للإمام موسى الصدر أنه يمثل الحالة الإنسانية جمعاء التي هي أكبر من المذاهب والطائفية، واستطاع الإمام الصدر أن ينشر أفكاره بين الناس، فالشعب اللبناني كان يحتاج وتواق إلى أفكار مثل التي كان يتحدث فيها الإمام ، فجذب العقول واجتمع الناس حوله من بعلبك حتى صور، وبقيت كلماته ومحبته لأبناء وطنه تكبر وتنمو على مر الأيام وهي مستمرة في الحياة السياسية اللبنانية وفي المقاومة.

وختم الشيخ حمود، كلمته بالقول، مما أظهر مقدار تأثره وحفظه لمسيرة الإمام المغيب السيد موسى الصدر، أن الإمام الصدر، كما كان يعمل من أجل شعب لبنان ووحدته، كان يعمل من أجل القضية الفلسطينية وانتصارها، والجميع يشهد كمْ دافع الإمام الصدر عن المقاومة الفلسطينية، وعمل لأجل حفظها وأبعادها عن التجاذبات السياسية الداخلية، والإقليمية، حيث شارك في العديد من اللقاءات وربما جميعا نسمع عبارته الشهيرة التي قالها للرئيس ياسر عرفات: إن شرف القدس يأبى أن يتحرر إلا على أيدي المؤمنين الشرفاء.

وبعد ذلك تحدث رئيس المركز الكاثوليكي للإعلام المونسنيور عبده أبو كسم.

وقال المونسنيور أبو كسم: نتلقى وإياكم اليوم في الذكرى الخامسة والأربعين لتغييب الإمام موسى الصدر لنستعرض شريطا عن رؤيته وأفكاره، لا بل من إيمانه بلبنان وطن الرسالة كما أشار إليه في العديد من خطبه، وإيمانه بشعب لبنان

وتنوع ثقافته، بالصبغة الفريدة في العيش معا وتمسكه المطلق بأهمية الحفاظ عليها لأنها تشكل تجربة غنية للإنسانية كلها، والتي هي المسلك الآمن والطريق التي تؤدي إلى الوحدة الوطنية في لبنان والعالم العربي، لا بل والعالم كله.

وأكمل الأب أبو كسم: لقد أمن الإمام الصدر من خلال رؤيته الحضارية على أن الحوار هو الوسيلة الفضلى لتقصير المسافات بين الشعوب، وحل الخلافات بين الحضارات، فقد أنتهج الإمام الصدر مبدأ الانفتاح على الآخرين واحترام أفكارهم ورؤيتهم، واحترام دينهم وعاداتهم وتقاليدهم، كما دعا إلى تطبيق صيغة العيش المشترك التي ارتضاها اللبنانيون والتي ضمنوها، معتبرا أن التعايش الإسلامي- المسيحي هو من أغلى ما في لبنان، وهذه تجربة غنية للإنسانية كلها، وثروة يجب التمسك بها.

لقد خرج الإمام الصدر من شرنقة طائفته إلى رحاب الوطن، وقد جاهد في مواقفه وتصرفاته وتحركاته، لينزع عن لبنان صورة المزرعة التي كرستها الطائفية السياسية، معتبرا أن الطائفية السياسية هي تكريسا متطورا لنظام التعايش القبلي الذي لا يمكن أن يشكل وطنا "أو يوحد مواطنين.

هنا توقف الأب أبو كسم وتحدث من خارج كلمته المكتوبة عن بصيرة الإمام المغيب موسى الصدر، عن فهمه لما هو قادم على لبنان من ويلات وحروب وانقسامات، وقال الأب أبو كسم جميعنا أخطأنا دعونا نبدأ من جديد، دعونا ان لا ندمر ما تبقى من لبنان.

وختم المونسنيور أبو كسم بالقول، أنه بالأمس ربما كان الحرمان يطال منطقة أو أكثر، أما اليوم فالحرمان يطال كل انسان ،نختلف بالسياسة، هذا الأمر طبيعي، لكن لا يجب إطلاقا أن ينعكس هذا الأمر على مصلحة، لبنان، ويفرق بين اللبنانيين لا يجب أن يكون هناك شعور يدفع بنا إلى تقسيم البلد لا بل على العكس، يجب التمسك اليوم بوحدتنا رغم كل الظروف التي تدفع بالاتجاه المعاكس. لهذا، يجب أن نتواضع من أجل خلاص وطننا، ويجب أن نتلاقى، أن نوجد النيات والقلوب ونسعى إلى هدف واحد هو إنقاذ لبنان وخلاص لبنان.

لو كان الإمام بيننا اليوم لكان قال ما قاله في إحدى خطبه في ١٥/ ۸/ ۱۹۷۷أيها اللبنانيون لن يحصل الخلاص إن لم تبادروا بالسعي نحو الخلاص، ولن تعثروا على وطنكم إن لم ترتفعوا فوق جراحكم ومصالحكم ووجهات نظركم

وأتبنى هذا القول جملة وتفصيلا:" أيها الإخوة إلى التضحيات إلى السلام إلى الوفاق الوطني، إلى القيامة اللبنانية، والتصدي لكل ما يحول دونها ويشوهها أو يخنقها.

ثم تحدث عضو المكتب السياسي في حركة أمل حسن قبلان.

وقد بدأ كلمته بالقول : يشرفني أن أقف على منبر هذا المركز الذي يحمل اسم علم كبير في أمتنا الإمام الخميني رضوان الله عليه، في لقاء فكري حول شخصية احتلت وما زالت حيزا كبيرا في الوعي الجمعي للبنانيين، الإمام المغيب سماحة السيد موسى الصدر. وفي هذه الندوة بحضور هذه القامات الفكرية بالرؤية الحضارية عند الإمام موسى الصدر، استهل ورقتي بالإشارة إلى أن الفهم الحضاري عند الإمام الصدر لمجمل العناوين والقضايا التي عالجها وعمل من أجلها في عالم الفكر والدين والإنسان والوطن، إنما شرطها الأول إنسانيتها وعدالتها وقدرتها على الإجابة على تحديات الحاضر وانفتاحها على آفاق المستقبل وهو صاحب النص الرؤيوي والاستشرافي والحضاري لهموم الإنسان وقضاياه.

واكمل قبلان، ان المسألة الحضارية عند الإمام الصدر تتلخص بإنتقال حال الإنسان من موقع الضعف والتخلف والفقر، إلى حال القوة والتقدم والتمكن وعليه اعتقد تماما أنه كان سباق بطرق العناوين الإجتماعية والتي شكلت العلامة الفارقة في مسيرته.

وفي الذكرى الخامسة والاربعين لتغييب الامام السيد موسى الصدر القائد العصي على النسيان صاحب النص الفكري والتجربة العملانية، والشعارات الممارسة في حيز الفعل والمشروع المتميز بالراهنية والاستمرار والرؤى الواسعة المدى في مجالات اهتماماته التي لا تحصى والتي غطت حقول المقاومة وحوار الأديان والتنظير للبنان اللقاء والحوار والعيش المشترك وصاحب الفتوحات في مجالات الفقه والوحدة بين المسلمين وغيره الكثير.

ووأضح قبلان: ان الفقر يشكل الخاصرة الرخوة في جسم المجتمعات وهو النافذة التي يدخل منها ريح خراب الأوطان وعليه أن المجتمع الجائع والفقير والذي يمارس التمييز الاجتماعي فيه ويبين الفرق المادي بين ابنائه هو من اكثر المجتمعات ضعفا وعرضة للانكسارات لذا نحن مطالبون اليوم کاحزاب وقوى سياسية وعلى وجه التحديد نحن المنتمون لمدرسة الامام الصدر برفع الصوت عاليا وحمل قضايا المحرومين ومطالبهم والنضال من أجل العدالة الاجتماعية وازالة بؤر التوتر الاجتماعي التي تفتك بمختلف مناطق لبنان وبمختلف فئاته وناسه لم يعد من الجائز التغطية على حقائق ومعلومات تبثها وتنشرها مؤسسات مختصه حول عيش اللبنانيين ومستوى اتفاقهم المتدني والتسرب المدرسي، واللجوء الى كل الموبقات من الاتجار بالمخدرات والجنس والسرقة والقتل وكل انواع الجريمة بسبب الفقر الذي قال عنه امامنا علي (ع): "كاد الفقر أن يكون كفرا" يقول الامام الصدر: "ان جميع المطالب تتلخص في كلمة واحدة هي العدالة لجميع المواطنين. ان قضايانا الكبرى ومشاريعنا الوطنية والقومية كلها ستنهار عاجلا ام أجلا ان لم يتم تدارك الأوضاع المعيشية والاجتماعية والتي تطلق القنابل الدخانية السياسية للتعمية عليها.

وختم قبلان: ان الناس اليوم في ذكرى الامام الصدر بحاجة للقائد الانموذج الذي عايشهم بالامهم وافراحهم واتراحهم للقائد الذي يتفقد أسرتين جنوبيتين فقيرتين في منطقة جعيتا، للقائد الذي يطأطأ رأس قامة المترين ونيف ليدخل بابا متواضعا ويقاسم اسرة عشاء من علب السردين كما حصل مع الامام الصدر في برج البراجنة بحاجة لقائد يمارس ما يقول، سيرته قبل شعاراته فعله يسبق قوله امام حسه الانساني تضامنه مع المحرومين والمشردين في وطنه وفي كل انحاء المعمورة فعل ممارس، وفي هذا الخصوص ينقل الشاعر اللبناني جورج شمعون وهو المسيحي السرياني المقيم في السويد انه كان مرافقا للامام الصدر يوم كان الشاعر رقيبا في قوى الامن الداخلي انهم كانوا يجلسون على طاولة الطعام مع الامام الصدر وكان يتناول الامام لقمة واحدة ثم ينفض عن الطعام بعد حمد الله، فيتذمر مرافقوه لانهم يحرمون من الشبع، فطلبوا منه ان يتركهم يأكلون لوحدهم، فقال لهم إنه لا يستطيع ان يأكل حتى الشبع وفي الدنيا انسان لا يعرف طعم الشبع وكأني به يعيد تجربة الامام علي (ع) عندما قال" أبيت مبطانا وحولي بطون غرثى ".

ثم تحدث عضو المجلس السياسي في حزب الله الوزير محمود قماطي

وقد بدا الوزير السابق وعضو المجلس السياسي في حزب الله محمود قماطي كلمته عن الامام موسى الصدر الثائر والمفكر والفيلسوف، رجل الدين الذي جسد الثورة في حياتنا وجدد النشاط الديني، حتى خطابه في الانفتاح على الطوائف الاخرى كان انطلاقا من ثوابت الدين، كان الامام عنده فهم للاسلام كما يراه هو الامام، وفي مقدمة هذا الاسلام الانفتاح على الآخر، والعمل في سبيل المحرومين الفقراء، ومواجهة الظلم، ومواجهة العدو الاسرائيلي.

الامام موسى الصدر كان يحرص كل الحرص على العلاقات العربية العربية والعيش الواحد في لبنان، والانفتاح على اي خيار يقرب ابناء الوطن من بعضهم، لكنه لم يكن يتساهل ابدا في موضوع العدو الاسرائيلي، فقد دعا إلى استخدام السلاح في مواجهته، وحتى بالاظافر والأسنان، ودعوة الامام هذه غيرت الواقع السياسي اللبناني وادت الى تحرير جنوب لبنان، وحصنت لبنان القوي بمقاومته.

واضاف الحاج قماطي: ان الامام الصدر كان دائما يحرص على افضل العلاقات مع سوريا، من اجل لبنان ومن اجل المقاومة الفلسطينية، لأنه كان يؤمن ان الانتصار على العدو الاسرائيلي لا ينجح الا بالتكامل مع سورية، لأنها الرئة الي يتنفس منها لبنان، وطالما سعى الامام المغيب الى تقريب وجهات النظر بين المقاومة الفلسطينية وبين القيادة السورية، وفي الكثير من الاوقات كانت تصدم جهدوه بعقبات بسبب خلافات الدول ومع ذلك كان دائما يصر على ان تبقى العلاقات اللبنانية السورية جيدة والعلاقات الفلسطينية السورية ايضا جيدة.

وتحدث الوزير قماطي عن الظلم الذي لحق بالامام الصدر، لأنهم لم يفهموا فكره ونظرته التي تبينت بعد تغييبه وبعد الاجتياح الاسرائيلي، وبعد المؤامرة على القضية الفلسطينية، ثبت ان الامام كان على حق. وانه لا انفكاك بين سوريا والمقاومة الفلسطينية،

وهو الذي قال لأبي عمار ((خذ علما يا أبا عمار ان شرف القدس يأبى ان يتحرر إلا على أيدي المؤمنين))، وهو الذي قال ((بجبتي وعمامتي سأحمي المقاومة الفلسطينية)).

وختم الحاج قماطي، ان الامام الصدر كان مخلصا للبنان وسوريا وفلسطين، كان يدعو للوحدة والحوار بين الاسلام والمسيحية والعروبة، وهو اول من سعى إلى الحوار اللبناني، واول من اعتصم، وكنت معه في اعتصام مسجد الصفا، في راس النبع في المدرسة العاملية، وكنت مسؤولا عن حماية الاعتصام، كنت اتابعه وارى شدة آلامه والمحاولات التي جرت بالأعداء على اهل القاع، ودير الأحمر وراس بعلبك، من اخواننا المسيحيين، والامام من النوع الذي لا يخشى الجهد ولا المعاناة، ولا الألم ولا الحزن، وكان مستعدا لكل شيء، شرط أن يخدم هدفه الرسالي، والديني والوطني والإجتماعي، هذا الموضوع بحد ذاته يحتاج إلى الكثير من الكلام والحديث عن دور الامام ايضا، على مستوى ايران وفي مواجهة الشاه، ومقدمات الثورة.

وكان ختام الندوة مع المستشار الثقافي للجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان السيد كميل باقر، الذي قدم محاضرة  بعنوان " دراسة مقارنة في فکر الإمام السید موسی الصدر والإمام السید علي الخامنئي ".

وقد عدد السيد كميل باقر  في محاضرته اوجه المقارنة والتقارب بين فكر الامام الصدر، والامام السيد الخامنئي.

فأعتبر السيد كميل باقر ان " ثمّة إشكاليةٌ أساسيةٌ تنطلق منها جميع الدراسات والأبحاث حول إمكانية تأسيس حضارةٍ إسلامية حديثة، وهي علاقة النسبة القائمة بين الدين والحياة ودور الدين في إسعاد الإنسان. إنّ القراءات الخاطئة عن الدين من جهة، والممارسات الناقصة والظالمة باسم الدين من جهة أخری أدّت معًا إلی تشكيل قناعةٍ لدی البعض بأنّ الدین منفصلٌ عن الحياة الدنیوية ورسالته مختصة بالآخرة فقط. ولذلك اتجهوا نحو حذف الدين وفصله عن الحياة والمجتمع وبنوا علی أساس هذه الفلسفة المادية حضارة مادية بعیدة عن الدين. أما المدرسة الفكرية الأصيلة التي تفهم الدین بصورة دقيقة وعميقة، فهي تعتقد أنّ بمقدور الدين الإلهي أن يلبّي جمیع حاجات الإنسان المادية والمعنویة لتأمين حياة طیّبة في جميع الأزمنة والأمكنة، وأنّ باستطاعة الدين الإجابة علی جمیع الأسئلة المتعلّقة بتنظیم الحیاة المجتمعية، من خلال الاجتهاد الفكري والاستنباط الممنهج وفق تعالیم الأنبیاء والأئمة المعصومین (علیهم صلوات الله)".

اضاف السيد كميل باقر من أبرز المفكرین المعاصرين الذين ینتمون إلی هذه المدرسة الأصيلة - بل ويقودون هذا التيار الفكري المعاصر - هما سماحة الإمام السید موسی الصدر وسماحة الإمام السید علي الخامنئي، إلا أنّ دورهما القيادي والسياسي البارز في نهضة المسلمين في المنطقة غطّی وطغى إلی حدّ كبير علی بعدهما الفكري والمعرفي في وضع الأسس العلمية والنظرية لبناء المجتمع الإسلامي والحضارة الإسلامية، فبقي هذا البعد غیر معروف إلا لدی من یقرأ ویراجع آراء  هذین الإمامين وخطاباتهما بدقة وتعمّق. ومن النتائج التي یحصل عليها الباحث المنصف والمتتبّع لآراء الإمام الخامنئي والإمام الصدر، هي أنه وبالرغم من محاولات بعض المغرضين وزعم بعض الجاهلين، لا یوجد أي خلاف جوهري بین فکر السید الخامنئي وفکر السید الصدر حول بناء المجتمع والحضارة، بل هناك تطابق شبه تامّ لدی السيدين العلمين في رؤيتهما الحضارية والمجتمعية، حيث إنّ التمايزات الموجودة لا تنشأ من خلافات استراتيجية وإنما تعود إلی اختلاف الظروف الزمانية والمکانية ومن المعروف بأنّ اختلاف النسق المعرفي والسياق التاريخي يوجد فروقاتٍ في قوالب الطروحات.

تابع السيد كميل باقر كلمته مثلاً، بالنظر الدقيق في کلمات الإمام السید موسی الصدر نجد بأنه حين كان يعبّر عن مفهوم الحضارة الإسلامية کثیراً ما كان يستخدم مصطلح «المجتمع الإسلامي»، کما أنّه یستخدم مصطلح «التقدّم» ویقصد منه «الحضارة» وهذا ما یفهم من القرائن الموجودة في کلامه. بینما في أدبیات الإمام السید علي الخامنئي یعدّ تشكیل المجتمع الإسلامي المرحلة اللصيقة وما قبل الأخیرة من مراحل تأسیس الحضارة الإسلامية والتقدّم شرط ضروري لتأسيس المجتمع والحضارة. یقول الإمام الخامنئي: «اليوم قام النظام الإسلامي بحمد الله وتأسّس، ونحن ننتظر أن تتحقّق الدولة الإسلامية بالمعنى الحقيقي للكلمة، ومن ثم المجتمع الإسلامي بالمعنى الحقيقي للكلمة، ومن ثم الحضارة الإسلامية بالمعنى الحقيقي للكلمة».

واشار السيد كميل باقر الى ان کلا الإمامين ینظران إلی الحضارة الإسلامية كهدفٍ عالٍ وغائيٍّ للثورة الإسلامية یقول الإمام الخامنئي: «عندما نقول بأنّ هدف الثّورة الإسلاميّة هو الحضارة الإسلاميّة الحديثة، لا ينبغي أن نهبّط مستواها بحيث نجعلها ظاهرة سياسيّة. الثورة الإسلاميّة حاولت تغيير العيش والحياة. نحن لم نقرّر فقط تشكيل مجتمعٍ ثوريّ، بل أردنا تكوين ظاهرة تجتاح العالم، وطبعاً شرط ذلك هو تشكيل الدولة الإسلاميّة والمجتمع الإسلاميّ». «ينبغي على كل مسلم في الوقت الحاضر أن يكون هدفه إيجاد حضارة إسلامية. هذا ما نريده اليوم. الشعوب الإسلامية لديها إمكانيات هائلة ولو تمت الاستفادة من هذه الإمكانيات والطاقات لبلغت الأمة الإسلامية ذروة عزتها. يجب أن نفكر بهذا، هدفنا النهائي إحداث حضارة إسلامية عظيمة». کما أنّ الإمام الصدر يؤكد أنّ هدف ثورة النبي الأعظم (ص) کان إيجاد مجتمع إسلامي ویقول: «أنا أؤمن بوجوب السعي التنظیمي لأجل تکوین المجتمع الإسلامي. لماذا لا نسعی لأجل إيجاد مجتمع إسلامي؟ یجب ذلك. أنا معترف بوجوب ذلك».

وشدد  السيد كميل باقر على انه بعد تبيين إمکان تأسیس الحضارة الإسلامية وضرورته، یبدأ الإمامان رحلتهما الفكرية نحو تأسيس الحضارة الإسلامية الحديثة من نقد الحضارة الغربیة ویبرزان عجز هذه الحضارة المادية عن إسعاد الإنسان ويؤکدان علی قربها من السقوط والزوال. یری الإمام الصدر أنّ «الحضارة الغربيّة حتى لو افترضنا أنّها حضارة، فهي فاشلة لأنّها تعاني من صعوبات عديدة وتناقضات، ولم تتمكّن من إسعاد البشريّة». ثم یقول: «الحضارة المادية الحديثة في الأساس ما تمکنت أن تسعد الإنسان وأن تخفف آلام الإنسان وأن تعالج مشاکل الإنسان... طالما أنّ المجتمع یتکون لأجل الإنسان فکلّ مجتمع متقدّم بإمکاننا أن نفسّره بالمجتمع الأکثر إنسانية، والمجتمع المتخلّف هو المجتمع الأقلّ إنسانیة.. وبناء علی هذا المعیار، أنا لا أقبل إطلاقاً أن أسمّي الولایات المتحدة مثلاً والتي هي قمة التقدم في العالم بالمصطلح الحديث بالبلد المتقدّم».

أما الإمام الخامنئي یقول: «لقد هزمت اليوم نتاجات الحضارة الغربيّة في إدارة البشريّة والمجتمعات. أمريكا هي قمّة النموذج الغربيّ الرأسمالي، وهي تمثّل نموذجاً مهزوماً بالمعنى الحقيقي للكلمة. فالقيم البشريّة تسحق في أمريكا أكثر من أيّ مكانٍ آخر. قضايا الأمن والسلامة والعدالة تسحق أكثر من أيّ مكان في النموذج الغربي المهيمن». «أقول بشكل حاسم إن الحضارة الغربية تتّجه نحو الانحطاط. وقد شعر المفكّرون الغربيّون بهذا الأمر أيضاً. تقع الأحداث والتحولات في المجتمعات بشكل تدريجي، والحضارة الغربية والمادية الماثلة أمامنا تتجه نحو الزوال».

وبعد عرض وافٍ لأوجه التقارب بين  الإمام السید موسی الصدر والإمام السید علي الخامنئي في الرؤية الحضارية  عدد السيد كميل باقر أرکان الحضارة الإسلامية ومعالمها الرئیسية من منظار الإمام السید موسی الصدر والإمام السید علي الخامنئي، ومنها ،الإيمان والمعرفة ،العلم والتکنولوجيا،الأخلاق والمعنوية،الحرية والعزة،العدالة والقانون،التجديد والإبداع،الجهاد والکفاح،

وختم السيد كميل باقر كلمته بالقول بالمختصر، یعتقد الإمام موسی الصدر أنّ معرکتنا الأساسیة الیوم هي معركة حضاریة مصیریة ویقول: «إنّ معركتنا هذه ذات وجوه كثيرة، فهي معركة حضاريّة طويلة الأمد متعددة الجبهات، إنّها معركة الماضي والمستقبل، إنها معركة المصير».

كما يوجّه الإمام الخامنئي الخطاب للشباب في بيان الخطوة الثانية للثورة ويحمّلهم مسؤولية الكفاح لإيجاد الحضارة الإسلامية الحديثة ويقول لهم: «إنّ السنوات والعقود المقبلة هي عقودكم، وأنتم من یجب أن تحموا ثورتكم بخبراتكم واندفاعكم، وتقرّبوها مهما أمكن من هدفها الكبیر ألا وهو إیجاد الحضارة الإسلامیّة الحدیثة، والاستعداد لبزوغ شمس الوليّ الأعظم أرواحنا فداه».

لبنان بیروت

لبنان بیروت

أکتب تعلیقک.

:

:

:

: