تنظیم ندوة فكرية تحت عنوان" الإمام الخميني واشراقات الثورة الإسلامية الإيرانية: قيادة وريادة"
أشرف القسم الثقافي لسفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية بتونس يوم الخميس الموافق لتاريخ 2 جوان 2022 على تنظيم فعاليات ثقافية جمعت كوكبة من النخب المثقفة و الأساتذة و الباحثين التونسيين و ذلك احياء للذكرى الثالثة و الثلاثين لرحيل قائد الثورة الإسلامية، الإمام الفذ، سماحة آية الله الإمام الخميني قدس سره الشريف. و التي هي مناسبة تخلّد ذكراه العظيمة التي خطّ من خلالها مسيرة واعدة.
حملت الندوة عنوان" الإمام الخميني واشراقات الثورة الإسلامية الإيرانية: قيادة وريادة" نظرا لما يكتسبه الطرح من أهميّة كبرى، حيث استهلت الفعاليات بتلاوة آيات من القرآن الكريم و قراءة الفاتحة ترحما على الإمام الخميني رحمه الله. تلتها كلمة تأطيرية أشرف على تقديمها الدكتور فوزي علوي رئيس مركز مسارات للدراسات الفلسفية بتونس و الذي أشار من خلالها إلى أنّ مسيرة الإمام الخميني مسيرة خالدة في الذاكرة العالمية، و أنه قائد باعث لمجد الشعوب الإسلامية ، حيث كان الإمام سالكا لدرب الحق، مجتهدا، مجددا للفكر و للحكمة و للعرفان. إذ يعد شخصية ذات تميّز و فرادة و ذات رؤية تكاملية فلسفية عرفانية مستمدة بالأساس من آل البيت عليهم السلام. هذه الشخصية العظيمة هي التي أحيت الفهم العميق للتاريخ و الحضارة ، فقد جمع بين المتناقضات من خلال تأليف وحدة منسجمة متكاملة تقوم على الحكمة المتعالية و تجديد المقاربات السياسية و تأصيل المسألة التاريخية . لقد أعطى الإمام الخميني للثورة سياقاتها المرجعية من خلال نشر العدالة و الدأب على العمل و المثابرة ، الأمر الذي ساهم في بناء جمهوريّة متكاملة الأركان، جمهورية ذات مؤسسات و دساتير و ذات فاعلية ناجعة . لقد كانت مسيرته العظمى توحي برؤية تكاملية جامعة بين الثابت و الوحدة و العرفان و السياسة و الاجتماع لذلك تعد شخصية استثنائية بامتياز . لقد ظلت رسالته الخالدة حيّة عند الأجيال لأنها تستشرف مستقبلا مشرقا و تؤسس لمشروع عدالي يعمل على إعادة إقامة نظام عادل أمام قوى الظلم و الفساد.
و بهذه المناسبة العظمى أكد السيّد ميثم فراهاني مدير القسم الثقافي لسفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية بتونس من خلال كلمته المعنونة ب " الإمام الخميني و حوار الحضارات" أنّ الإمام الخميني قد أولى أهميّة كبرى للحوار من خلال التركيز على ثالوث متكامل في البناء والاستشراف :
أولا: أهميّة التحليل الهيكلي للقضايا
ثانيا: أهميّة الارتباط و الاتصال
ثالثا: عملية صنع القرار
و أشار ضمن السياق إلى أنّ العلاقة المتجذرة بين العالم الإسلامي و العالم الغربي تعيش مرحلة صراع و ربما يطلق عليه ب" صراع الحضارات". و آن الأوان لدفع مسارات الوحدة و النهوض من خلال ترسيخ قيم التسامح والتعايش مع بعضنا البعض في ظل حوار متكامل الرؤى و الأبعاد و الأهداف. لقد ارتكزت رؤية الإمام الخميني قدس سره الشريف على أهميّة المعنويات الأصيلة كالسلم والعدالة و التعايش السلمي في إطار احترام الاختلاف و احترام حقوق الإنسان و الديمقراطية فضلا عن دعوته الصارمة لإنقاذ المسلمين من سياسات الهيمنة و الغطرسة و الاستكبار. من هنا تأسست الإستراتيجية العامّة التي انتهجها سماحة القائد و نهج على منوالها سماحة القائد علي الخامنئي (دام عزه) و الشعب الإيراني . فقد سرنا على درب الاتحاد كلمة واحدة وفقا لوصية مثلى ساهمت في إنجاح الثورة الإسلامية الإيرانية لتكون خالدة في العالم برمته. لقد أوجد سماحة القائد الإمام الخميني ضوابط متينة، تقوم على ثنائية القيادة و الريادة و الدليل على ذلك نجاح إيران و تبوئها مكانة عالمية في شتى المجالات فضلا عن تجاوز أغلب التحدّيات و المظالم المسلطة على إيران منذ سنوات طوال. إذ هيأ الإمام الخميني أرضية ملائمة تأصلت في بناءها على التحدي والمقاومة للمحافظة على كرامة الإنسان المسلم أمام قوى الاستكبار العالمي من ذلك انتصار الشعب الإيراني في الدفاع عن القضية الأم " القضية الفلسطينية" التي لا يمكن التنازل عنها أو التفريط فيها.
و في ظل هذا الطرح أثار السيّد فراهاني تساؤلا بقوله: لماذا تمّ التركيز على مبدأ حوار الحضارات؟ مشيرا إلى أنّ المسألة تعود إلى ما نحن عليه اليوم من فتن أو تفكك متغلغل داخل مجتمعاتنا الإسلامية بوعي منا أو دون وعي، الأمر الذي أدى إلى التباعد والتناحر في ظل غياب الصحوة و الوعي و الرقي و في ظل غياب الوحدة المؤسسة للتقدم و الازدهار والنهضة. إنّ أهمية الحوار تكمن في مستوى الارتقاء بالذات و مستوى التحاور مع الآخر وفقا لضوابط وآداب انسانية تساهم في التكافؤ و في تعديل موازين القوى. هذا و أكد أننا ندرك جميعا مدى المخاطر التي تهدد مجتمعاتنا اليوم لكننا على وعي تام بأن مسارات النهوض تحثنا دون شك على الحوار و على بناء مستقبل راق بلا صراعات و لا فتن. فالحوار لابد أن لا يقتصر على الأفراد و لا على السياسات بل لابد من تشريك النخبة من المفكرين و المثقفين و العلماء لدعم كفاءاتهم و تحقيق آفاق الوحدة الإسلامية . ربما المناخ اليوم صار ملائما للمّ شمل المسلمين و حثهم على إعمال الضمائر و العزم على التقدم. إنّ نجاح الثورة الإسلامية الإيرانية هو نتاج الوعي بالأحداث و نتاج إحياء الروح الإسلامية و العزة والكرامة وفقا لثالوث أساسي يقوم على نشر العدالة الاجتماعية و بث السلام و إعادة الحق لأصحابه مهما كلف الثمن، أي عدم الخضوع للتبعية و للغطرسة الغربية بأي شكل من الأشكال. فالاستقلالية وسام شرف الشعوب. لقد أحيت الثورة الإسلامية الإيرانية قيم الحرية و العدالة والسلم و ساهمت إلى حدّ كبير في بلورة مقومات المجد من خلال تجاوز سياسة الخضوع و الانكسار و الاستكبار و العمل على توسيع دائرة الحوار و الانفتاح كنقطة محورية عززت البناء المحوري لإيران و العالم الإسلامي. فكانت الثورة بمثابة الرّد الحاسم على قوى الظلم لأنها كسبت تحديات المواجهة و نالت شرف النصر.
و اختتم كلمته بالدعوة إلى الحوار الذي يمثّل السلاح الأقوى في تقديم خارطة طريق للمسلمين جمعاء، فالمسلمون معنيون اليوم بالتحاور للدفاع عن حضارتنا الإسلامية و طرح قضايانا المشتركة و لا نريده حوارا بين طرفين بل نريده حوارا بنظرية البناء : بناء أمّة إسلامية واحدة و التي هي خير أمة أخرجت للناس لنحقق من خلالها النفع و نستفيد من واقعنا كي نبني مستقبلا أفضل عملا بقوله تعالى: " كنتم خير أمة أخرجت للناس، تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر"
و بمناسبة احياء هذه الذكرى الماجدة، أكد سماحة السيّد محمد رضا رؤوف الشيباني سعادة سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية بتونس ضمن كلمته المعتبرة أنّ شخصية الإمام الخميني قدس سره الشريف ليست ككل الشخصيات التي عبرت التاريخ لاعتباره شخصية ذات تاريخ و اعتبار، تركت بصماتها و آثارها و بركاتها على جوانب عديدة و كثيرة في المجتمع الإيراني و الإسلامي على حدّ سواء. وأضاف أنّ أداء الواجب تجاه هذا الرجل العظيم الذي قدّم إنجازات عظمى على المستويين السياسي و الاستراتجي الهام. فقد كان مؤسس النظام السياسي للمجتمع الإيراني و الذي يعدّ اليوم نموذجا يقتدى به. لقد أسس الإمام الخميني رحمه الله " الجمهوريّة الإسلامية الإيرانية" و جعل نظامها ذو خصوصيات هامّة تقوم على الديمومة و الاستمرارية. فهو نظام متجدد ينبني على القواعد المعاصرة و يتزامن مع متطلبات الواقع. لقد كان الإمام مدركا تمام الادراك بأهميّة الإسلام في تحقيق الأهداف و النجاح في تأصيل نظام شمولي يجمع جميع أطياف المجتمع و يحثّ على صنع القرار. و أضاف سعادة السفير قوله: " إنّ النظام الذي يبنى على مبادئ ثابتة داخليا و خارجيا هو نظام قائم الذات و نظام منتصر" لكونه يدعو إلى التعويل على قدرات الشباب و إعادة الاعتبار لكرامة الإنسان كما يولي المرأة المسلمة أهمية كبرى في بناء المجتمع . هدافأأ
للقد نجحت إيران في القطع الدابر للتدخلات الخارجية و إثبات استقلاليتها ، فضلا عن التركيز على أهمية الدفاع عن المظلومين و الوقوف في وجه المستكبرين الظالمين. إذ تعد سياسة إيران ثابتة تجاه القضية الفلسطينية كما تعد استراتيجيتها المحكمة هامّة نظرا لاتباعها درب الوحدة بين المسلمين من خلال تجاوز الطائفية و المذهبية و العمل على لمّ شمل المسلمين تحت راية " أمة إسلامية واحدة". و اختتم سعادة السفير كلمة حضرته بالإشارة إلى البعد النظري في قيادة الثورة الإسلامية الإيرانية و تأسيس النظام البنّاء للمجتمع، و مواجهة كل التحديات و الحرب المفروضة من الاستكبار العالمي ضد إيران. لقد باتت إيران دولة رائدة و تبوأت مكانة معتبرة في العالم، فقد أحبطت كل مخططات الاستكبار الأمريكي من خلال نجاحها في الولاء للإمام الخميني قدس سره الشريف و اختياره خلفه الصالح سماحة الإمام القائد علي الخامنئي دام ظله الشريف للاستمرار على نفس الدرب و النهل من نفس التجربة.
وفي ذات الصدد، أكد الدكتور خالد شوكات الكاتب و الباحث و الوزير السابق بتونس أنّ هذه الذكرى المجيدة التي نحييها اليوم هي ذكرى خالدة في الذاكرة الجماعية بامتياز لاعتبار أنّ شخصية الإمام الخميني رحمه الله تعد إحدى أهم الشخصيات التاريخية للقرن العشرين، فقد ساهم في تغيير وجهة التاريخ كما ساهم في تأصيل وجهة مغايرة تقوم على ثلاثة جوانب هامّة ضمن مسيرته العطرة ( الذات الجماعية ( ذات الأمّة الإسلامية / العرفان/ مركزية القضية الفلسطينية من منظور الإمام الخميني رحمه الله). هذا الثالوث الهام أنار درب المسلمين و أعاد للجمهورية مكانتها في العالم، إذ لم يكن الإمام تقليديا بل كان مجددا للفكر، متصّلا بحركة ذات جذور، يقف على قدر كبير من الإصرار على تمثّل الذات و رفض كل أشكال الخضوع و التبعية للغرب. إنّ التشبث بالذات كمصدر لحل المشكلات المعاصرة أمر مهم لاعتبار أنّ الذات هي التي توجه المرء نحو طريق الرشد. مضيفا ضمن كلمته أنّ نجاح الإمام الخميني رحمه الله هو نتاج الوعي بقضايا عصره ، و نتاج الاجتهاد النوعي من داخل الفكر ، فقد وصلت رؤاه إلى حيّز التمكين و التوظيف و التطبيق الأمر الذي جعلها تجربة بارزة ذات جديّة و رؤية عميقة ذات مرجعية قيميّة أخلاقية و ذات مؤسسات منتخبة و فاعلة قائلا : " لقد وظف الإمام الخميني كل رصيده المعنوي و العلمي لبناء دولة معتبرة ، لها شأن عالمي، عمرها اليوم أكثر من أربعة عقود".
هذا و أضاف الدكتور خالد شوكات ضمن كلمته أنّ إيران كجمهورية مستقلة لاقت هجوما مزدوجا شيعيا و سنيا على حدّ سواء، و هذا ما نراه جليّا ضمن كتاب سماحة القائد علي الخامنئي حفظه الله " إن مع الصبر لنصرا". لكن إيران تجاوزت الصراع المذهبي و اتبعت طريق الرشد من خلال الوفاء للعهد و للإمام الخميني رحمه الله . هذا الإمام الذي اكتسب كل مقومات التواضع و الرشد و الزهد فهو كما قال عنه الكاتب و الصحفي محمد حسنين هيكل " إنّه يبدو كرصاصة انطلقت خلال القرن السابع ميلادي ، لتستقر في قلب القرن العشرين " و ذلك نظرا للصبر و الحكمة التي ترعرع عليهما الإمام الخميني في منفاه و حتى بعد عودته منتصرا سنة 1979. لقد ألهمت مسيرته شعوب العالم و أممها من خلال اتباع سياسة الالتزام، و الزام النفس بدورها التوجيهي الحضاري و السياسي فضلا عن دعم القضية الفلسطينية دعما كاملا لكونها تمثّل القضية المحورية الأساسية. و الصراع اليوم بين إيران و الغرب هو بالأساس صراع حول فلسطين من أجل التنازل عنها و التفريط فيها مثلما فعلت بعض الدول الأخرى لكن الشعب الإيراني لا يستسلم، إذ يرددون دوما : " لو أكلنا الحجر لن نفرط في فلسطين من أجل استعادة الأرض و القدس و كل إنسان حر".
من جهة أخرى أكد الدكتور محمد علي ميرزائي الكاتب و الأستاذ المختص في الدراسات الحضارية و الفلسفية أنّ الإمام الخميني رحمه الله هو شخصية عاشت أغلب سهام المعرفة من خلال الاعتماد على قوة الحق و الكشف عن الحقيقة. لقد تبوأ الإمام اتجاها عميقا في الفلسفة و العرفان ، لم يكن شخصا عاديا بل كان رائدا بعمقه الفكري و لعل السّر الأكبر في تفوقه أخلاقيا أنه لم يأت بالمدافع، فقد كان سلاحه المدافعي هو الإسلام و عمل على فرضه و التسلّح به. و الدليل على ذلك أن كتابه الذي دونه خلال سن 27 سنة " مصباح الهداية" كان قنديلا عرفانيا موجها ، فقد بقي الإمام الخميني وفيا للمستوى الكوني الروحي العرفاني الجوهري بشكل كامل. كان مسالما في تعاملاته مع الآخر و قد وجه رسالة عميقة إلى " غورباتشوف" و دعاه إلى أن يتأمل رؤى ابن عربي ( السنّي) لتجاوز الخلافات . كان الإمام حريصا كل الحرص على فضّ النزاعات المذهبية، و كان يردد قوله " الأمّة لن تنعم بلحظة راحة إذا انشغلت بالمذاهب" . لذلك كان الإمام يدعو إلى الوحدة و عدم الانسياق وراء التفكك و الفتن، كان يعتمد على رؤية كونية جديدة تتجاوز ما هو سطحي و تغوص في العمق الفكري . فقد كان صاحب رسالة بالمعنى العرفاني المتكامل، و قد تأصلت اشراقاته البنّاءة وفقا لأهداف أساسية تقوم على استبعاد المذهبيات بكل تجلياتها و اتباع طريق الحق بكل ثبات و يقين.
إضافة إلى ذلك أكد الدكتور ميرزائي أنّ مسألة " الرحمة" لدى الإمام الخميني رحمه الله مسألة ذات اعتبار و أهميّة قصوى، و المقصود هنا بالرحمة المتعالية المؤسسة لروح العدالة الإنسانية التي لا تسمح بالخروقات. و قد استقى الإمام رؤاه العميقة من قيم الرحمة التي أنعم بها الله علينا ، فالرحمة هي مصدر كل رسالة إنسانية ذات توجه و رؤية. من هنا نلتمس البعد السوسيولوجي في توحيد الصفّ الاجتماعي و هي رحمة محمدية بالأساس جاءت للنهوض بكل الكائنات في الوجود و يمكن أن نسميها ب" الرحمة الأكوانية". لقد كان الإمام الخميني موحدا للإنسانية، كان عارفا بالله و العرفاء لا يتلفظون بكلمتي " السنة و الشيعة" أصلا لأن مقام الإمام لا ينزل إلى مستوى الصراعات المذهبية الطائفية ذلك أنّ المذهبية لعنة. لقد كان منقذا للعالم و للروح الإنسانية، كما كان منقذا للحضارة بقوله: " الحضارة إذا ما رافقتها الروح تموت". و في الإطار اختتم الأستاذ ميرزائي كلمته بالإشارة إلى أن مرجعية الإمام الخميني رحمه الله هي مرجعية القرآن الكريم، و أن التقدم يتأسس وفقا لمبدأ الرحمة والأخلاق المثلى.
في السياق ذاته و احياء لهذه الذكرة العظيمة أثار الدكتور طاهر بن سالمة الكاتب و الباحث في شؤون الحضارة الإسلامية نقطة هامّة وفقا لهذا الطرح الهام من خلال إثارة جدلية السؤال المحوري : هل نحن نواصل مسيرة الإمام الخميني اليوم؟ هل نحن ننفذ وصايا الإمام الخميني اليوم؟ ألسنا نلتقي فنفارق و لا نستمر؟ أين موقعنا أمام استشهاد الفلسطينيين اليوم؟ الواقع ينقل لنا بشكل يومي الاتفاقيات العلنية و السرية التي تباع من خلالها الأرض ... كل هاته الأسئلة كامنة في ضمائر الشعوب المسلمة و المؤمنة و الجواب عليها كامن في البدء في تنفيذ ما تركه الإمام الخميني ضمن وصيته، أي ضرورة إعادة البناء بين الراهن و المستقبل، و البحث في الآفاق الاستشرافية لهذه الأمّة التي تعيش ويلات التفكك .
من جهته أكد الدكتور الأسعد بن حمود المختص في الفلسفة والإمام الخطيب أنّ فكر الإمام الخميني رحمه الله هو فكر نيّر، و أنّ سيرته عطرة، و روحه شامخة. و أشار ضمن كلمته إلى مسألتين هامتين تتعلقان بالمستوى الفكري الثقافي و المستوى السياسي. حيث أكد أنّ الإمام الخميني مجدد للدين من خلال ثلاثية الفهم و التأويل و التأصيل. لقد حافظ الإمام على آداب الإسلام و روحه العطرة و سلك درب التجديد من خلال إحياء ثنائية التجسيد و التطبيق بمعنى إحياء قضايا العصر و التأمل فيها و إعادة البناء لمواجهة مختلف تحدّيات العصر . إنّ من أهم الأفكار و المفاهيم المركزية في تجديد الإمام و إحياءه للإسلام هو إعادة التذكير به و الإيمان بالله و التأمل في موقع الله في الكون و الوجود فضلا عن علاقة الله بالإنسان و الحياة و التاريخ و الأحداث. لقد جاء الإمام الخميني ليحيي الفكر الإيماني الرسالي الحقيقي نهجا على طريق الحق و الأنبياء و الرسل ليقول لنا إنّ " الله خلق و يخلق، و رزق و يرزق، أحيا و يحيي، أمات و يميت، نصر و ينصر، عز و يعز، أذل و يذل، أعطى و يعطي، منع و يمنع" و بالتالي الحقيقة المطلقة في هذا الوجود هو الله سبحانه و تعالى. لقد جاء الإمام ليعيد الاعتبار للأمّة الإسلامية التي عملت إسرائيل على اذلالها، فاغتصبت مقدساتها و احتلت أراضيها و يعيد للجمهورية الإسلامية الإيرانية مجدها و يحقق لها النصر الدائم، فقد أحدث تحولا استراتيجيا في المنطقة و أسس اليوم العالمي للقدس، كيوم لإحياء القضية الأم و الدفاع عنها . لقد خطّ مسيرة رائدة في تاريخه و تاريخ الأمّة الإسلامية ، فهو مدرسة نستلهم منها دائما مبادئ الثورة و العزة و الكرامة.
اختتمت الفعاليات الثقافية بتفاعل بعض النخب مع الأفكار المطروحة حيث أكدوا أنّ الإمام الخميني قدوة للشعوب، له شأنه و وزنه في العالم من خلال صياغته لبرنامج متكامل الأبعاد ، فقد أعاد للمسلم اعتباره. و الغرب اليوم يحترمون شخصية الإمام الخميني رحمه الله من زاوية أنّه أحيا الشخصية الإسلامية و استنبط نظاما إسلاميا ليس مستوردا و ليس نظاما باليا قديما ، فقد أسس نظاما جديدا معاصرا متأصلا في تاريخ الأمّة الإسلامية و تراثها ،هذا النظام المواكب للعصر، ساهم في اسقاط هيمنة الغرب و زعزعة النظام العالمي . لقد أسس فكرا عالميا إنسانيا يقوم على احترام الحقوق والواجبات و القيم الأخلاقية و السلوك السياسي. لقد قاد فكرة منتصرة تنتج الفعل و تواجه العدو بكل تحدّ و عزم. قاد ثورة إسلامية مجيدة بثبات لتكون قوة إقليمية يحسب لها ألف حساب.
أکتب تعلیقک.