هل الدين حاجة فطرية أو موروث إجتماعي ؟
هل الدين حاجة فطرية أو موروث إجتماعي ؟
مما يؤكد فطرية الدين أنّه ضاربٌ بجذوره في التّاريخ الإنسانيّ، وبالتّالي ليس مجرّد حالةٍ طارئةٍ فرضتْها ظروفٌ خارجيّةٌ، وإنّما هو حقيقةٌ متأصّلةٌ في الوجود الإنسانيّ ظلّتْ مرافقةً له في كلّ مراحله الزّمنيّة، وقد اعترف الإلحاد بذلك منْ خلال النّماذج الّتي يذكرها للتّديّن البدائيّ عند الإنسان، الأمر الّذي يؤكّد على أنّ إحساس الإنسان بالدّين إحساسٌ فطريٌّ لا يمكن للإلحاد مصادرته، وهذا يفسّر لنا إجماع الإنسانيّة وبكلّ تجمّعاتها البشريّة على ضرورة الإله المعبود، وبهذا يمكننا التّأكيد على أنّ الإلحاد حالةٌ شاذّةٌ في المسار الطّبيعيّ للإنسان، والأديان هي الحالة الطّبيعيّة المرافقة للإنسان في طول تأريخه.
ولابدّ أنْ نفرّق هنا بين الشّعور الفطريّ بالدّين وبين الدّين كطقوسٍ وأفكارٍ، والإلحاد يهدف إلى مصادرة الشّعور الفطريّ منْ خلال التّشكيك في الطّقوس والأفكار، وفي ظنّي هذه خدعةٌ أخرى يلجأ إليها الإلحاد، لأنّ الدّين بوصفه طقوساً واعتقاداتٍ خاصّةً بجماعةٍ معيّنةٍ لا يعنينا كثيراً، ولا وجود لمنْ يدافع عنْ كلّ تلك الممارسات الدّينيّة المنتشرة في الأرض، وإنّما نقطة النّزاع الحقيقيّة بين الإيمان والإلحاد هي في إثبات أو نفي الشّعور الفطريّ الدّالّ على وجود إلهٍ خالقٍ لهذا الكون، ويكفي في إثبات هذا الشّعور تأصّل الدّين في الإنسان وسعيّه الدّائم للارتباط بالله، وبذلك نكون قدْ وظّفْنا دليل الملحد بعكس ما كان يريد ومنعناه منْ ممارسة الخداع في تمويه الحقائق، فقوله أنّ الإنسان كان يعبد الحجر أو النّجوم والكواكب وغير ذلك يدلّ على أنّ الإنسان مفطورٌ على الدّين وبالتّالي مفطورٌ على ضرورة الإيمان بربٍّ معبودٍ، يقول عزمي بشارة: "ولذلك تقوم التّجربة الدّينيّة، على الإحساس بالمطلق، سواءٌ كان فينا، أو في الكون، أو في الأخلاق، أو الجمال، فالشّعور بالمقدّس ملكةٌ روحيّةٌ أو مكوّنٌ أساسيٌّ منْ مكوّنات الوعيّ البشريّ، وفي الوقت ذاته مكوّنٌ أساسيٌّ منْ مكوّنات الدّين، ولكنّه ليس الدّين؛ لأنّ الدّين لا يختزل في تجربة الانفعال بالمقدّس، وفي نفس الوقت لا يمكن اختزال الدّين بتجربة المقدّس، فالإيمان نوعان معرفيٌّ وعرفانيٌّ. والعرفانيّ يتعلّق بالمطلق فهو ليس استدلالاً عقليّاً وإنّما حالةٌ فطريّةٌ وجدانيّةٌ، وأنّ محاولات الفلاسفة إدخال المطلق في دائرة العقل لا يولّد ديناً وإنّما مجرّد كلامٍ، أمّا المعرفيّ هو الّذي يتعلّق بفهم المبادئ والعقائد والأحكام والتّشريعات" .
صحيحٌ أنّ المعرفة الدّينيّة أو التّديّن، لا ينطبق بتمامه مع الشّعور الدّينيّ الفطريّ، إلّا عند الأنبياء والمعصومين وحدهم، ولا يستطيع أحدٌ مهما بلغ شأنه في الدّين أنْ يدّعي أنّ ما عنده منْ معرفةٍ دينيّةٍ هي تمام الحقيقة وكمالها، وهذا سرّ بقاء الأديان وخلودها لكونها تمثّل حالةً من السّعيّ الدّائم والكدح الأبديّ لإدراك الحقيقة. قال تعالى: (يا أيّها الْإنسان إنّك كادحٌ إلىٰ ربّك كدْحًا فملاقيه) (6 الإنشقاق). وقدْ أكّد القرآن على الفطرة فجعل معرفة الله قضيّةً فطريّةً وجدانيّةً بقوله: (فأقمْ وجْهك للدّين حنيفًا فطْرة الله الّتي فطر النّاس عليْها لا تبْديل لخلْق الله ذلك الدّين الْقيّم ولكنّ أكْثر النّاس لا يعْلمون) (الروم 30)، وفي ذات الوقت أكّد على العقل لكيْ يكون دليل الإنسان للتّميّز بين الممارسات السّلوكيّة والأفكار والثّقافات المختلفة.
وفي الختام، فالدّين بوصفه إيماناً بالله يمثّل حالةً فطريّةً متأصّلةً في الإنسان، أمّا الدّين بوصفه ممارسةً سلوكيّةً وثقافيّةً فمتباينٌ بتباين الأديان، والعقل والبرهان هو القادر على التّرجيح بين هذه التّباينات. وعليه كلّ الصّور المشوّهة في التّاريخ الإنسانيّ عن الأديان المنحرفة لا تفيد الإلحاد في شيءٍ، بلْ قدْ تخدم التّديّن بوصفها شواهد على تأصّل الأديان في الوجدان الإنسانيّ، وفي نفس الوقت لا تكون هذه الممارسات ملزمةً لنا بوصفها صورةً مشوّهةً للدّين الفطريّ.
الإسم | هل الدين حاجة فطرية أو موروث إجتماعي ؟ |
الدولة | إیران |
نوع |