لماذا لا زال سعدي حاضراً ، ؟
سعدي محبوب كل من يتحدث الفارسية . كما أنه يقف في اعلى صرح النثر الفارسي البليغ . و تعتبراشعاره و حكاياته في كتابيه الشهيرين ( بوستان / الجنائن ) و ( كلستان / روضة الورد ) ، بمثابة الورْد الذي يلهج به الناس .. وان الذين خبروا الدنيا ، وكبار السن في المجتمع ، يستعيرون شعر سعدي وحكاياته للتدليل على شأنهم ومنزلتهم .. غير ان ارتباط الجيل الجديد بآثار سعدي قلّ هذه الايام لاسباب متعددة . وفي هذا الصدد تحاول السياسات الثقافية للبلاد تقوية هذه العلاقة والارتباط ، واحياء مفردات اللغة التي استخدمها سعدي في آثاره.
خصائص أدب سعدي و أهميتها
الاختصار والسلاسة معلمان بارزان في آثار سعدي . وفي التقويم الايراني الرسمي ، اطلق على اليوم الاول من شهر ارديبهشت " يوم سعدي " ، و ذلك لأن البدء بتأليف كتاب " روضة الورد " كان في هذا اليوم .
ان دعوة سعدي للصلح و السلام باتت اليوم محط انظار العالم ، حيث تؤكد اعماله ـ التي اتسمت بنثر بليغ ـ على انسانية الانسان بكل ما في الكلمة من معنى . اي ارساء العدالة ، وتعميم الاخلاق ، و الابتعاد عن ايذاء الآخرين : " ابناء آدم اعضاء جسد واحد، مخلوقين من جوهر واحد. فاذا ما اشتكى منه عضو تداعت له سائر الاعضاء بالسهر و الحمى" .
سعدي عند الايرانيين
الايرانيون يفتخرون بإمتلاكهم شاعراً مثل سعدي . حتى ان المواطنين يعتبرون الحضور الى مقبرة سعدي مفخرة كبرى بالنسبة لهم .. ان نظم و نثر شاعر القرن السابع الهجري الشهير، قد تجاوز الحدود السياسية لايران ، و ان جانباً من اتساع حدود ايران الثقافية مدين لهذا الاديب . لأن سعدي في مؤلفاته يتحدث عن السلام والرأفة والمودة والتسامح . و يرى الخبراء ان خلود اسم سعدي على مرّ التاريخ يكمن في ذلك . و ان السمة البارزة التي يشير اليها حافظ ـ الشاعر الايراني الشهير الآخر ـ وضمّنها غزله الشهير، قوله : " سعدي الرجل حسن السمعة لا يموت مطلقاً / لأن رحيله لا يمحو ذكراه الحسنة " .
يعرف سعدي في ايران طوال سبعمائة عام تقريباً باعتباره المعلم الاول . و ان لقب المعلم الاول منح له بسبب تدريسه اللغة والآداب للأسر الايرانية . و من ألقابه الاخرى " الشيخ الأجل " ، " استاذ الكلام " و " ملك الكلام ". وان الادباء والشعراء هم الذين منحوه هذه الالقاب ، نظراً للبلاغة التي امتاز بها النظم و النثر اللذين حفلت بهما آثاره .. و تعتبر آثار سعدي احد مصادر تعليم اللغة الفارسية وآدابها ، و كانت تدرس في الكتاتيب القديمة ، و اليوم في المدارس المعاصرة .. أما اسم سعدي الكامل فهو " ابو محمد مشرف الدين بن مصلح بن عبد الله بن مشرف " حيث كان يعرف بـ سعدي تخلصاً . و التخلص اسم فني يختاره الشعراء لأنفسهم .
و يقال ان سعدي اخذ هذا التخلص من اسم " ابو بكر بن سعد بن زنكي " ، أشهر الاتابك في فارس .. يشار الى ان سلالة الأتابك كانت تحكم في شيراز ـ فارس اليوم ـ خلال القرن السابع الهجري . وفي شبابه التحق سعدي بالمدرسة النظامية في بغداد لدراسة الآداب والعلوم الدينية . وهناك تتلمذ عند اساتذة كبار امثال شهاب الدين السهروردي و ابن الجوزي . و عقب تعلمه النحو والصرف في اللغة العربية ، و القرآن ، و الفقه و الاصول ؛ سافر الى الحجاز و الشام و آسيا الصغرى ، كأحد الخطباء و المتكلمين .
" بوستان " و " كلستان " اعمال عالمية
خلال هذه الرحلة ألّف سعدي اول كتبه " بوستان " / الرياض . و الرياض عبارة عن كتاب شعر . و لدى عودته الى شيراز سنة 655 للهجرة ( 1257 ميلادي ) ، اهداه الى ابي بكر بن سعد بن الزنكي . وما يذكر ان صحيفة الغاردين البريطانية اعتبرت " بوستان " سعدي ، احد افضل مائة كتاب في التاريخ الانساني .
حكاية تأليف " كلستان " تختلف عن بوستان . ذلك ان سعدي ألّف كلستان / روضة الورد ، في خمسة الى ستة أشهر ، واهداه الى الامير سعد بن ابي بكر بن سعد الزنكي . والكتاب يتناول دروس الحياة بمختلف ابعادها . وان اختيار عناوين نظير " سيرة الملوك " ، " اخلاق الدراويش " ، " فضيلة القناعة " ، " فوائد النسيان " ، " الحب و الشباب " ، " الضعف و الشيخوخة " ، " تأثير التربية " ، و " آداب الصحبة " ، لأبواب الكتاب الثمانية ، تدل على ذلك . و ما يذكر هو ان مقولات سعدي في هذا الكتاب ، وجدت طريقها للتداول بين الناس بمثابة مضرب المثل ، و تم الاحتفاظ بها عن ظهر قلب بين افراد المجتمع قديماً رغم تواضع المعرفة .. ويكتب سعدي في الباب الاول من كتابه عن سيرة الملوك قائلاً : " عشرة دراويش ينامون على بساط واحد ، وملكان لا يسعهما اقليم " .
مقبرة سعدي
مقبرة سعدي موجودة في شيراز و تعرف بـ ( السعدية ) ، و تقع على سفح جبل فهندج . و يقال ان هذا المكان كان خانقاه سعدي . و الخانقاه تطلق على المكان الذي يقيم فيه المتصوفة و الدراويش .. وهكذا كان ، المكان الذي امضى سعدي فيه ايامه الاخيرة ، بات اليوم مقر مثواه الأبدي على سفح جبل( فهندج) . وقد تمت الاستفادة من فنون العمارة الايرانية لتشييد هذا المنزل ذي الثمانية اضلاع والسقف المرتفع و العمل على استكماله .. كما ان البيئة الخضراء والحديقة الغناء التي تحيط بالمبنى وتخطف الابصار ، اضحىت اليوم ملجأ آمن للكثير من الأدباء و الفنانين الايرانيين ، و كما قال حافظ : سعدي لم يمت .
الإسم | لماذا لا زال سعدي حاضراً ، ؟ |
الدولة | إیران |
سعدي | |
القرن السابع الهجري/القرن الثالث عشر المیلادي | |
الأعمال | کلستان(روضة الورد) بوستان (الریاض) غزلیات |