دور العلامة الطباطبائي في تطور الفلسفة الإسلامية

السيد محمد حسين الطباطبائي، المعروف بالعلامة الطباطبائي، هو مفسر وفيلسوف وأصولي وفقيه ومتصوف. كان من علماء الشيعة المؤثرين (الشيعة إحدى المذاهب الإسلامية) في الأجواء الفكرية والدينية في إيران في القرن الرابع عشر الهجري (التاسع عشر الميلادي). وهو مؤلف "تفسير الميزان" و"الشيعة في الإسلام" والكتب الفلسفية مثل "بداية الحكمة ونهایة  الحكمة" و(مبادئ الفلسفة الواقعية ومنهجها). وفي الحوزة العلمية في قم، بدلاً من التركيز على الفقه والأصول، قام العلامة الطباطبائي بالقاءوتنظیم دورة ومحاضرات خاصة لتدریس تفسير القرآن وتدریس الفلسفة. و هذا العمل أدى إلى ازدهار علم التفسير في الحوزة العلمية بقم. وكانت طريقته في التفسير هي تفسير القرآن بالقرآن.

سيرة حیاة العلامة الطباطبائي ومؤلفاته

حسب السيرة الذاتية التي كتبها العلامة الطباطبائي عن نفسه، فقد ولد في تبريز. وكان والده الحاج ميرزا ​​باقر وعمه ميرزا ​​أسد الله من علماء تبريز. وانه تعلم ودرس  في مدارس بلدته،وانه انهی دراسته الابتدائیةفي بلدته  ثم التحق بمدرسة "الطالبية" ودرس العلوم الدينية والعربية وكتاب المقدمات فیها. ثم  درس في الفقه كتابي "شرح اللمعة " و"المكاسب"، وفي علم الأصول درس كتب "المعالم" و"القوانين" و"الرسائل" و"الكفايه"، وفي المنطق درس كتب "الكبری"،و"الحاشية" و"شرح الشمسية" وعلی صعید الفلسفة، درس كتاب "شرح الإشارات" وفي علم الكلام درس كتاب "كشف المراد". وفي عام 1304هـ-ش (1925 م)ذهب إلى النجف الأشرف لمواصلة تعليمه ودراسته ودخل دورة في الأصول والفقه حیث تتلمذ هناك علی ید  آية الله الشيخ محمد الأصفهاني. كما استفاد من دروس ومحاضرات آية الله النائيني وآية الله السيد أبو الحسن الأصفهاني وآية الله حجة كوه كمره اي، والحاج ميرزا ​​علي آغا الطباطبائي التبريزي، والسيد حسين بادكوبه اي، وآية الله السيد أبو القاسم الخوانساري. وبعد عودته إلى إيران عاد إلى مسقط رأسه سنة 1314ه--ش (1935م ) وأقام فيها عشر سنوات. وفي عام 1325 هـ (1946م )انتقل من تبریز وذهب الی قم ودرس هناك في الحوزة العلمية ، وتتلمذ على يد أساتذة بارزين مثل آية الله السيد محمد الخوانساري، وآية الله السيد محمد حجت كوه كمره اي. وبدوره قام العلامة الطباطبائي بتعلیم وتربیة عدد لابأس به من التلاميذ والشخصیات العلمیة البارزة. ویذكر ان اللقاءات العلمية التي عقدها العلامة الطباطبائي مع الفيلسوف الفرنسي الخبیر بالشأن الشيعي (هنري كوربون) ساهمت كثیراً في تعریف الشيعة إلى الأوروبيين.حیث تم  نشر حواراته ومقابلاته مع (هنري كوربون) وترجمتها الی مختلف اللغات ومنها الفارسية والعربية والفرنسية والإنجليزية، وقد صدر المجلد الأول لهذه المقابلات والحوارات باللغة الفارسية تحت عنوان "مذهب الشيعة".

تطویر الفلسفة الإسلامية

من خلال المؤلفات العلمية للمرحوم العلامة الطباطبائي وكتاباته وخطبه ، يمكننا أن نشير إلى خمسة من المحاور التي تؤكد علی دوره في تطویر الفلسفة الإسلامية ؛ المحور الأول: نمو وتطور الفلسفة الإسلامية. فقد ساهم في تطویر الفلسفة الإسلامية وترسیخ جذورها وایصالها الی مرحلة جدیدة من خلال تأليف كتابي «بدایة الحكمة» و«نهاية الحكمة». كما ان تدريس الفلسفة، وخاصة الحكمة المتعالية وإسفار الملا صدرا، وإلابداعات  الفلسفية (16 حالة) التی كانت لدیه في الحوزة والهوامش التي كتبها على الأسفار، كان جزءاً من مبادراته في تطوير الفلسفة الإسلامية في النصوص الفلسفیة. أما المحور الثاني فهو في قسم العلوم الدینیة والعقائد وعلم الكلام . في هذا المجال ایضاً، تطرق من خلال خلفیته الفلسفیة الی تبیان وشرح الأسس العقائدیة . كما كان سماحته قد وضع موضوع  تجدید الأبحاث والمناقشات العقائدیة في جدول أعماله، فألف علی هذا الصعید عدة كتب وهي رسالة "الولاية"، وكتاب "الشيعة في الإسلام"، و"القرآن في الإسلام". اما الموضوع الآخر فهو (الرد على الشبهات). وللمرحوم العلامة الطباطبائي كتب ومصنفات مستقلة حول أسس العقيدة ایضاً، وفي هذا المجال یمكن الإشارة الی  كتاب "الوحي أو الوعي الغامض"، وكتاب "علي والفلسفة الإلهية" وغيرها. كما أن للمرحوم العلامة الطباطبائي ابحاث ودراسات ومناقشات مستقلة حول الآيات القرآنية والتعاليم الإلهية ومناقشات الأصول والمبادیء الكلامية .

الأخلاق العلمية والعملية

المحور الثالث هو علم الانسان (الأنثروبولوجيا). فالأنثروبولوجيا هي أساس العلوم الإسلامية ومحورها. وقد الّف العلامة بفضل تخصصه وتبحره في مجال الفلسفة والعرفان العديد من الكتب والمؤلفات . مثل كتاب (الإنسان ماقبل الدنیا )،و(الإنسان في الدنیا)،و(الإنسان ما بعد الدنیا). المحور الرابع هو موضوع  الأخلاق. فللمرحوم العلامة الطباطبائي فكرتان وابتكاران جديدان في موضوع الأخلاق؛ ألأولی، في قسم الأخلاقيات النظرية، حیث يقترح "نظرية الائتمان" وتأسیساً على ذلك يحصل على تفسير جديد للمبادیء الأخلاقية. والثانية ً: في باب الأخلاق العملية، حیث تطرق الی هذا الموضوع وتناوله بالتفسير في كتاب الميزان، حيث بيّن العقيدة التوحيدية للقرآن في أخلاق الذكر.

المحور الخامس: امتداد الفلسفة في العلوم الإنسانية. وله مؤلفات مستقلة خاصة في علم الاجتماع، والعلوم السياسية، والقانون، ومواضیع تربوية، وأحيانا مواضیع في علم النفس، وقد ذكر في "الميزان" موضوعات مفصلة في مجال العلوم الإنسانية.

ویعتبر  يوم 15 نوفمبر تشرین الثاني ، في التقويم الوطني الإيراني، يوم ذكرى العلامة الطباطبائي