لعبة سوداء، تجسيد آلام المجتمع في قالبٍ كوميدي شعبي
لعبة سوداء
: المسرح الشعبي الذي جمع الضحك بالموسيقى والتراث
يُعرف فنّ لعبة سوداء أحياناً باسم اللوح فوق الحوض، وهو أحد فروع المسرح التقليدي الإيراني الذي نشأ بهدف إدخال البهجة إلى قلوب الناس من خلال الضحك، والغناء، والرقص، والموسيقى الحيّة.
يُجمع الباحثون والمؤرخون في الفنون الإيرانية على أن السيّاهبازي ينحدر من جذرٍ مشترك مع عروضٍ فكاهية أقدم مثل «التسوق من البقالة» و«االلعب بالعصا»، لكنّ الزمن أبقى فقط على السيّاهبازي بوصفه الامتداد الحيّ الوحيد لذلك التراث الكوميدي الشعبي.
وكما يشير اسمه، تتمحور هذه العروض حول شخصيةٍ رئيسية تُدعى «السوداء» — رجلٌ بوجهٍ أسود ولسانٍ ساخر، يُضحك الجمهور بكلماته وحركاته العفوية، لكنه في الوقت نفسه يُوجّه نقداً ذكياً للواقع الاجتماعي والسياسي من دون أن يُصرّح بذلك مباشرة.
تُقدَّم هذه العروض على منصةٍ خشبية مؤقتة تُقام فوق بركة المياه في باحات البيوت القديمة، وهي ما يُعرف باسم «تخت حوض» (أي: اللوح فوق الحوض). وكان هذا المكان بمثابة مسرحٍ شعبيٍّ صغيرٍ يجتمع حوله الناس في الأعراس والمناسبات، يشاهدون الممثلين وهم يمزجون بين الكوميديا الشعبية والموسيقى والرقص الارتجالي.
ويُعدّ لعبة سوداء في جوهره مسرحاً شعبياً حيّاً نابضاً بالحياة اليومية للناس؛ إذ يُجسّد بطريقةٍ بسيطةٍ ومحبّبة روح الفكاهة الإيرانية القديمة التي ترى في الضحك وسيلةً للتفكير، وفي الكلمة الساخرة طريقاً للتعبير عن الحقيقة.
وهكذا، بقي لعبة سوداء حتى اليوم جسراً بين الماضي والحاضر — بين فنٍّ وُلد من أفراح الناس وآلامهم، وفنٍّ ما زال قادراً على أن يُضحكهم ويُفكّرهم في آنٍ واحد.

تصویری از یک اجرای روحوضی در قرن نوزدهم میلادی
���� تاريخ لعبة سوداء: من "التسوق من البقالة" إلى "الروحوضي"
بعد انحسار عروض الكوميديا الشعبية القديمة المعروفة باسم «"التسوق من البقالة» في إيران، بدأ فنّ لعبة سوداء بالظهور والنمو، ليصبح الشكل الأبرز من المسرح الكوميدي الشعبي الذي يعكس روح الشارع الإيراني.
تشير المصادر إلى أن أولى ملامح السيّاهبازي ظهرت في أواخر العهد القاجاري (نهاية القرن التاسع عشر)، حيث بدأ الممثلون بتجسيد شخصيات هزلية تعبّر عن الحياة اليومية للناس، مستخدمين الدعابة والارتجال أداةً للتعبير الاجتماعي والسياسي.
قبل نحو قرن من الزمان، كانت هذه العروض تُقدَّم في حفلات الزواج، حيث كانت تُدعى فرقٌ تُعرف باسم فرقة التقليد لتقديم عروضها داخل البيوت. وبما أنّ البيوت التقليدية في إيران كانت تحتوي على باحاتٍ واسعة تتوسّطها بركة ماء (حوض)، فقد حُوّلت تلك البرك إلى منصّاتٍ مرتجلة للعرض المسرحي. كان المضيفون يغطّون سطح الحوض بالأخشاب، فيتحوّل إلى خشبة مسرحٍ صغيرة تُقام فوقها عروض الرقص والغناء والتمثيل.
جلس الجمهور حول الحوض، متحلقين في جوٍّ احتفالي بسيطٍ وحميمي، يشاهدون الممثلين وهم يتبادلون النكات والمواقف الساخرة. ومن هنا جاءت تسمية هذا اللون من المسرح بـ «رُوحوضي» (أي: فوق الحوض)، أو كما يُعرف بالفارسية الدارجة «تَختِ حوضي».
ومع مرور الزمن، تجاوزت هذه العروض حدود البيوت الشعبية لتصل إلى قصور الأمراء والنبلاء القاجاريين، الذين وجدوا فيها وسيلة ترفيهٍ ممتعة تقضي على الملل وتُنعش المجالس. وبفضل دعمهم المالي، ازدهرت هذه الفرق وتطوّرت تقنياتها المسرحية وأسلوبها في الإلقاء والارتجال.
اليوم، لم تعُد هناك "أحواض" تُغطّى بالأخشاب، لكنّ روح العرض ما زالت حيّة. فقد تحوّل «المسرح الروحوضي» إلى أحد أشكال المسرح الإيراني المعاصر، يُقدَّم على المسارح الحديثة بأسلوبٍ يحافظ على النكهة الشعبية والروح الساخرة ذاتها. إنه ميراثٌ فنيّ يجمع بين الضحك والتاريخ، ويُذكّر الأجيال بأنّ المسرح الشعبي الإيراني كان — وما زال — صوت الناس ولسانهم البسيط الصادق.

یک اجرای محلی بر پایه سیاهبازی (روستای حسینآباد کالپوش/ استان سمنان)
���� خصائص ومضامين لعبة سوداء: الضحك كسلاحٍ للنقد والوعي
يتميّز فنّ لعبة سوداءبتركيبته البسيطة والعميقة في آنٍ واحد، إذ يقوم على صراعٍ رمزيٍّ بين شخصيتين أساسيتين:
-
«الاسود» أو كما يُعرف أحياناً باسم «مبارك»، وهو بطل العرض ويمثّل الطبقة الفقيرة والمهمَّشة في المجتمع.
-
«الحاجي» أو «الحاكم»، وهو شخصية تمثّل السلطة أو الطبقة المترفة المستبدّة.
تدور معظم الحوارات بين هاتين الشخصيتين في إطارٍ من السخرية والذكاء الشعبي، حيث يستخدم السيّاه طرافته وسرعة بديهته ليُضحك الجمهور من جهة، ويُعرّي جهل الحاكم وغروره من جهة أخرى. إنه يرمز إلى وعي البسطاء الذين يمتلكون الحكمة رغم فقرهم، بينما يجسّد الحاكم الغني الجاهل المتكبّر الذي يُخدع بسهولة بسذاجته.
ومن خلال هذا التفاعل الكوميدي، يعبّر العرض عن التناقض الطبقي والاجتماعي السائد، لكن بأسلوبٍ مرحٍ يجعل النقد مقبولاً ومحبّباً إلى الناس. ولهذا السبب دخل مصطلح «لعبة سوداء» إلى اللغة اليومية في إيران ليُشير إلى من يتظاهر بالجهل ليخدع الآخرين — كما يفعل مبارك في المسرح.
العنصر الأساسي في هذه العروض هو الارتجال، فالقصة والحوار والأشعار تتكوّن لحظة العرض، وفقاً لمزاج الجمهور والموقف. ترافق الأداء عادةً موسيقى تقليدية حيّة، تُعزف بآلات مثل الدفّ أو الناي أو الطبل، ويشارك الممثلون بالغناء والرقص في انسجامٍ فكاهيٍّ جميل.
وفي النهاية، تختتم معظم عروض السيّاهبازي بخاتمةٍ سعيدة ورسالةٍ أخلاقية، تُعيد التوازن بين الخير والشر، وتؤكد انتصار الذكاء الشعبي والصدق على الغرور والظلم.
إنّ لعبة سوداء، رغم طرافته، ليس مجرد تسلية، بل هو منبرٌ اجتماعيّ بلغة الضحك، يذكّر بأنّ الكوميديا يمكن أن تكون أداةً للنقد، ولحفظ الذاكرة الجماعية، ولتأكيد كرامة الإنسان البسيط في مواجهة قوى الاستبداد والمال.

سعدی افشار (1313 تا 1392 خورشیدی/ 1934 تا 2013 میلادی) از بزرگترین چهرههای هنر سیاهبازی در ایران است
شخصية «اسود»… صوت الشعب المقنّع بالسخرية
يُعتبر الممثل الذي يؤدي دور «اسود» الركيزة الأساسية في فنّ سياهبازي، إذ يحمل على عاتقه عبء العرض بأكمله، ليس بوصفه ممثلاً كوميدياً فحسب، بل ناقداً اجتماعياً متخفّياً خلف قناع الضحك.
في فترة العهد البهلوي، حين كان التضييق السياسي والرقابة على الكلمة واقعاً يومياً، تحوّل السيّاهبازي إلى ملاذٍ آمنٍ للتعبير عن هموم الناس. فالكلمة الجريئة، حين تأتي في ثوب النكتة، كانت تمرّ دون خوف، والسيّاه — بوجهه الأسود ولسانه الساخر — استطاع أن يقول ما لا يجرؤ الآخرون على قوله علناً.
كان السيّاه يتحدث بلغةٍ بسيطة ومرحة، لكنه يلمس القضايا العميقة للمجتمع: الفقر، الظلم، النفاق، والفساد. ولأنه يُقدَّم على أنه شخصية مُهرّجة وساذجة ظاهرياً، لم يكن يُؤخذ كلامه بجدّية كاملة، مما منحه مساحةً نادرة من الحرية. هذه الحرية جعلته يُحوّل الضحك إلى وسيلة مقاومة، والسخرية إلى سلاحٍ من وعي.
في بعض الأحيان، كان الممثلون الذين يجسّدون شخصية السيّاه يُنبَّهون قبل العرض إلى عدم التطرّق المباشر إلى السياسة أو نقد السلطة، لما عُرف عنهم من جرأةٍ وفطنةٍ في تحويل المزاح إلى رسالةٍ لاذعة. ومع ذلك، لم يتخلَّ السيّاه يوماً عن دوره كمرآةٍ للمجتمع، ينطق بما في قلوب الناس — ولكن بطريقةٍ تجعل الحاكم يضحك دون أن يدرك أنه المقصود!
لقد تحوّل السيّاه في المخيال الشعبي الإيراني إلى رمزٍ للشجاعة والصدق والدهاء الشعبي، شخصيةٌ لا تعرف الخوف، تمزج البساطة بالحكمة، وتُضحك الناس وهي تُذكّرهم بواقعهم المؤلم.
إنه في الحقيقة ضمير الشعب المتخفي في هيئة مُهرّج، من خلاله استطاع الإيرانيون على مرّ العقود أن يحتفظوا بمساحتهم الخاصة من التعبير، حين كانت الحقيقة لا تُقال إلا… على لسان «اسود».
| الإسم | لعبة سوداء، تجسيد آلام المجتمع في قالبٍ كوميدي شعبي |
| الدولة | إیران |
| نوع | وطنی |
| تسجیل | لا یوجد تسجیل |

_2_1.jpg)
_2_1.jpg)
_1_1.jpg)


_2_1.jpg)
_2_1.jpg)
_1_1.jpg)

Choose blindless
العمى الأحمر العمی الأخضر العمی الأبیض اللون الأحمر من الصعب رؤیته اللون الأخضر من الصعب رؤیته اللون الأزرق من الصعب رؤیته أحادی اللون أحادی اللون خاصتغییر حجم الخط:
تغییر المسافة بین الکلمات:
تغییر ارتفاع الخط:
تغییر نوع الماوس: