هجرة قبيلة سنکسري: الخدمات، الطقوس والتاريخ لأطول مسار هجرة بشري

الرحل أو البداوة في إيران: تقليد عريق وحياة متنقلة

يُقال إن المجتمعات البشرية الأولى كانت عبارة عن قبائل رحّالة تتنقل باحثةً عن الصيد والغذاء وفق الفصول المختلفة. فيما بعد، استقر بعض هؤلاء الرحل في مناطق محددة وبدأت مرحلة الاستقرار الدائم. ومع أن الحياة في المدن والقرى أصبحت أسهل بكثير اليوم، إلا أن بعض القوميات والمجموعات ما زالت تعيش حياة الرعي والتنقل.
تعتبر البداوة عند هذه المجموعات ثقافة متكاملة، لها عناصر وبنى روحية خاصة، تشكل قيمة اجتماعية مهمة للمجتمعات البشرية. وتشير المصادر التاريخية إلى أنه في الألف الأول قبل الميلاد، كان الميديون من بين الشعوب الإيرانية المستقرة، بينما كان الفرس والبارثيون يعيشون حياة شبه رحّالة، متنقلين بين الصيف والشتاء تبعًا للسكان الأقدم في إيران. وما زال هذا النمط من الحياة قائمًا في إيران، حيث تُعرف مجموعات مختلفة بأنها رحّالة في مناطق جغرافية متنوعة. في السنوات الأخيرة، جرت محاولات لتسجيل تقاليد ومهارات وعادات الحياة الرحّالية في إيران لحفظ هذا التراث من النسيان. ومن أبرز الأمثلة على ذلك رحلة الهجرة القبلية لقبيلة سنکسري، التي خضعت للدراسات البحثية وسُجلت على المستوى الوطني.

خصائص هجرة قبيلة سنکسري
قبيلة سنکسري من القبائل الرعوية الرحّالة في إيران، وتستوطن عادةً في سفوح جبال البرز. ومهد هذه القبيلة هو مدينة مهدي‌شهر في محافظة سمنان، والتي كانت تُعرف سابقًا باسم سنکسر نسبةً لهذه القبيلة. يُقال إن مسار هجرتهم هو الأطول في العالم، حيث يصل طول المسار إلى 1500 كيلومتر. وتمتد طرق هجرتهم على طريق الحرير القديم، الذي كان لقرون عديدة الرابط الرئيسي بين الصين وإيران، وهو دليل على قدم هذه الهجرة.

يمر مسار الهجرة عبر 11 محافظة، وينقسم إلى ثلاثة أجزاء رئيسية، لكل منها اسمها الخاص في ثقافة ولغة قبيلة سنکسري:

• مسار بند: مسار جبلي يبدأ من شمال جبال البرز ومن مدينة مجن في شاهرود، ويستمر عبر شمال دامغان حتى مهدي‌شهر وقرية رضا‌آباد، ويُستخدم عادة في فصول الصيف.

• مسار تک: أطول أجزاء مسار الهجرة، يبدأ من غرب خراسان ويمر عبر ميامي وشاهرود وصولًا إلى دماوند ومدينة پلور، وقد يمتد أحيانًا إلى محافظة کلستان.

• مسار میان‌بند: يبدأ من «جسر الحرير» في ميامي، ويمر عبر دامغان وشاهرود وصولًا إلى رضا‌آباد.

على طول هذا المسار الطويل، تُقام أنشطة ومراسم تقليدية للتسلية وتقليل مشقة الطريق. وفي كل موقع يُقام الخيام العشائرية، ويجتمع أفراد القبيلة لتقديم ذبيحة أحيانًا وتناول لحمها معًا. يعيش أهل القبيلة في تناغم كامل مع الطبيعة، ويتميزون بالمرح رغم صعوبة السفر.
تشغل النساء أوقاتهن في الغزل وخياطة الملابس المشهورة بجمالها، كما تشتهر قبيلة سنکسري بإنتاج منتجات ألبان متنوعة، حيث تُنتج 81 نوعًا من منتجات الألبان، من بينها آرشه، المصنوع من الجبن مع قليل من الزيت والدقيق والكركم أو الزعفران، ويُعتبر غذاءً مغذيًا.

يقوم أفراد القبيلة خلال الهجرة بعرض منتجاتهم على السكان المحليين، ما يعزز التبادل الاقتصادي والثقافي، ويجعل من هجرة قبيلة سنکسري جسرًا يربط سكان منطقة واسعة في إيران. بالإضافة إلى ذلك، يُخبز أكثر من 40 نوعًا من الخبز، ويشتهر غنم القبيلة بلحمه الجيد وقلة دهنه بسبب طول مسار الهجرة وتغذيته على المراعي الطازجة، ما يمنح اللحم طعمًا لذيذًا وجودة عالية.

التسجيل الوطني لمسار هجرة قبيلة سنکسري
تم تسجيل هجرة قبيلة سنکسري باسم محافظة سمنان ومدينة مهدي‌شهر في قائمة التراث غير المادي الوطني الإيراني في عام 2019 (1398 هـ.ش).