اللغة السمنانية... بقايا حيّة من اللغة البهلوية القديمة

اللغة السمنانية... بقايا حيّة من اللغة البهلوية القديمة

اللغة السمنانية... بقايا حيّة من اللغة البهلوية القديمة

اللغة واللهجة... ملامح الهوية وذاكرة الثقافة

تُعَدُّ اللغة من أهمّ عناصر الهوية الثقافية، حتى إنّ بعض الباحثين يرونها مرادفاً للثقافة نفسها. فهي المرآة التي تعكس طريقة تفكير الناس ونظرتهم إلى العالم، وترتبط ارتباطاً وثيقاً بحياتهم اليومية ومعتقداتهم وقيمهم. فاللغة لا تتأثّر فقط ببيئتها، بل تؤثّر فيها أيضاً، لتصبح في النهاية أحد أقوى رموز الانتماء الإنساني والجمعي.

تتميّز إيران بتنوّعٍ لغويٍّ فريدٍ من نوعه على مستوى العالم، إذ تنتشر فيها لغات ولهجات متعددة إلى درجة أنّ سكّان مدينة واحدة قد يتحدثون بعدّة لغات، أو أنّ أبناء حيٍّ واحد يستخدمون لهجاتٍ مختلفة في كلامهم اليومي. لذلك، فإنّ دراسة اللهجات الإيرانية تُعدّ عملاً معقّداً وصعباً، لكنها تكشف في الوقت نفسه وجوهاً خفيّة من تاريخ إيران وثقافتها العميقة.

ومن بين هذه اللهجات الأصيلة تبرز اللهجة السمنانية بوصفها إحدى الفروع القديمة المشتقة من اللغة الفارسية. تقع سمنان في منطقةٍ ذات تاريخٍ عريق، وكانت في بعض الفترات عاصمةً لإيران القديمة، ما جعلها مركزاً لتلاقح الحضارات والثقافات. وبفضل موقعها الجغرافي المهم، احتفظت هذه المدينة بخصوصيةٍ لغويةٍ نادرةٍ جعلتها موطناً للهجاتٍ متنوعة ومتمايزة.

اليوم تُوصَف محافظة سمنان بأنها "قوس قزح اللهجات" في إيران، إذ تتغيّر اللهجة من مدينةٍ إلى أخرى خلال مسافةٍ قصيرةٍ لا تتجاوز بضعة كيلومترات. فبين مدينتي سرخه وسمنان، اللتين تفصل بينهما نحو 15 كيلومتراً فقط، يمكن للمرء أن يسمع لغتين مختلفتين تماماً في البنية والألفاظ. بل إنّ القرى الواقعة بين المدينتين تمتلك كلٌّ منها لهجتها الخاصة، إلى درجة أنّ سكّان قريةٍ واحدة قد لا يفهمون بسهولة حديث جيرانهم في القرية المجاورة.

إنّ اللهجة السمنانية، بما تحمله من أصواتٍ فريدةٍ وتراكيب لغويةٍ قديمةٍ، ليست مجرّد وسيلة تواصل، بل وثيقة حيّة من تاريخ إيران، تحفظ في مفرداتها وأنغامها ذاكرة العصور القديمة وروح التنوّع الثقافي الذي ميّز هذه الأرض عبر آلاف السنين.

سمنان سرزمینی کهن با آیین‌ها و فرهنگی غنی است

الجذر البهلوي للهجة السمنانية... لغة تحفظ ذاكرة القرون

تتميّز اللهجة السمنانية بخصائص لغويةٍ وصوتيةٍ فريدة تجعلها تختلف اختلافاً واضحاً عن الفارسية المعاصرة، حتى إنّ بعض اللغويين يرون أنّ سكّان سمنان لا يتحدثون لهجةً من الفارسية فحسب، بل لغةً مستقلةً قائمةً بذاتها، لها نظامها النحوي والمعجمي الخاص.

تعود جذور هذه اللهجة إلى اللغة البهلوية، وهي اللغة الرسمية في العهد الساساني (من القرن الثاني إلى السابع الميلادي). في بدايتها، انتشرت البهلوية في غرب الهضبة الإيرانية، ثم سادت في أنحاء الدولة بأسرها، وكانت آنذاك لغة الإدارة والأدب والدين الزرادشتي. ومع تغيّر العصور وصعود العربية والفارسية الجديدة، تلاشت معظم اللهجات ذات الأصل البهلوي أو اندمجت في لغاتٍ أخرى، حتى اختفت تماماً من الاستخدام اليومي.

إلا أنّ سمنان ظلّت استثناءً مدهشاً؛ إذ حافظ أهلها على كثيرٍ من البُنى الصوتية والتراكيب النحوية التي تعود إلى البهلوية القديمة، مما يجعلها اليوم واحدة من أندر اللغات الحيّة ذات الأصل الساساني في إيران. ولهذا السبب، يولي الباحثون في فقه اللغة والتاريخ الثقافي اهتماماً بالغاً بدراسة السمنانية، باعتبارها جسراً لغوياً بين الماضي الساساني والحاضر الفارسي.

إلى جانب سمنان، لا تزال هناك آثار محدودة من اللهجات ذات الجذور البهلوية في مناطق من مازندران، ولرستان، وشمال شرق إيران، غير أنّ سمنان تظلّ الأكثر حفاظاً على نقاء الأصل القديم، بما يجعلها كنزاً لغوياً فريداً يضيء جوانب من التاريخ الثقافي لإيران لا يمكن اكتشافها إلا من خلال لغتها.

زبان پهلوی بر روی یک سنگ‌نبشته

الموسيقى والأشعار الساربانية في سمنان... أنغامُ الصحراء وصوتُ القوافل

في قلب الهضبة الإيرانية، حيث تمتدّ الصحراء القاسية والسماء المليئة بالنجوم، نشأت موسيقى تعبّر عن إيقاع الحياة في الكُوَير، وعن صبر الإنسان في مواجهة الجفاف والوحدة. تلك البيئة الهادئة والمهيبة في آنٍ واحد، بليلها الصافي وصمتها العميق، تركت بصمتها على وجدان الناس، فانبثقت منها أغانٍ وأشعارٌ تحمل عبق الرمل وصوت الريح وأنين القوافل.

ومن بين هذه الإبداعات، تبرز في سمنان "الموسيقى والأشعار الساربانية" التي سُجّلت رسمياً في قائمة التراث الثقافي اللامادي الوطني لإيران. تستمد هذه الموسيقى جذورها من حياة السَّاربان، أي راعي الإبل وقائد القوافل، الذي كان يسير لساعاتٍ طويلة في عمق الصحراء، يصاحب قافلته بنغماتٍ شجيةٍ وإيقاعاتٍ تتمايل مع خطوات الجِمال.

كان الساربان يُنشد هذه الألحان أثناء العناية بالإبل أو تحريكها في الطريق، فيردّد أصواتاً متناسقة بين النداء والغناء، لتتحوّل تدريجياً إلى فنٍّ موسيقيٍّ فريدٍ يجمع بين الإيقاع والعمل. ومع مرور الزمن، اكتسبت هذه الأنغام غنىً شعرياً ومضموناً إنسانياً يعكس الحنين، والتعب، والأمل في الوصول، فأصبحت جزءاً من ذاكرة سمنان وموسيقاها الشعبية.

وفي المراحل اللاحقة، أُضيفت إلى هذه الإنشادات آلات موسيقية بسيطة، مثل الآلات النفخية والإيقاعية، دون أن تفقد بساطتها الأصيلة أو صدقها العاطفي.

إنّ موسيقى السارباني السمنانية ليست مجرد أنغامٍ تقليدية، بل شهادةٌ على علاقة الإنسان بالطبيعة، وعلى انسجامه مع قسوة الصحراء وبهائها، فهي تحكي بلغة النغمة ما لا يُقال بالكلمات: الحنين، الصبر، والرحلة الأبدية نحو الأفق.

 

الإسم اللغة السمنانية... بقايا حيّة من اللغة البهلوية القديمة
الدولة إیران
ولایةسمنان
مدینةسمنان
نوعآخر
تسجیلوطنی
أدخل النص الخاص بک واضغط على Enter

تغییر حجم الخط:

تغییر المسافة بین الکلمات:

تغییر ارتفاع الخط:

تغییر نوع الماوس: