مسجد فهرج، بناء باقية من أوائل سنوات ظهور الإسلام

ثقافة أهل يزد متجذرة في تاريخ هذه المدينة العريق. على مر العصور، تأقلم أهل يزد مع جغرافيا منطقتهم وبيئتهم، وقدموا نموذجاً لحياة تجسد التكيف والتوافق بين الإنسان وبيئته. إلى جانب ذلك، تعد العقائد الدينية أحد الجوانب البارزة في ثقافة يزد. هذه العقائد لها مكانة عالية في حياة الناس، وقد أصبحت إحدى الركائز الأساسية لذاكرتهم التاريخية. ومن بين العديد من الآثار التاريخية في يزد، هناك العديد من الأماكن التي ترتبط بعقائد الناس الدينية، مثل مسجد فهرج الذي يعود تاريخه إلى حوالي 1400 سنة.
تقع فهرج على بعد 25 كيلومترًا جنوب شرق يزد، وللوصول إليها يجب قطع مسافة تقارب 17 كيلومترًا على طريق يزد-بافق السريع.

تاريخ مسجد فهرج
يعرف هذا المسجد أيضًا باسم مسجد الإمام حسن(ع)، ويعود إلى صدر الإسلام وهو موجود في قرية تدعى فهرج. وفقًا للمؤرخين، يعود البناء الأولي للمسجد إلى ما قبل دخول الإسلام إلى إيران (القرن السابع الميلادي)، ومن المحتمل أن هذا المبنى قد تحول إلى مسجد بعد الإسلام. وبالتالي، يمكن اعتبار وقت بناء المسجد في النصف الأول من القرن الأول الهجري (أواخر القرن السابع الميلادي). لذلك، يرى بعض الخبراء أن هذا المسجد أقدم من مسجد تاريخانه في دامغان، وأقدم مسجد في إيران.

خصائص مسجد فهرج
مسجد فهرج هو المسجد الوحيد في العالم الذي لم يتغير بناءه منذ إنشائه وحتى الآن، وقد حافظ على طابعه القديم. ما يزال المسجد يحتفظ بوظيفته العباديّة لإقامة الشعائر الدينية، ولا يزال يستخدم للصلاة.

عمارة مسجد فهرج
على عكس العديد من المساجد التي أقيمت في إيران بعد ذلك، فإن مسجد فهرج لا يحتوي على إيوان أو قبة. بالإضافة إلى ذلك، لا توجد أي آثار من الزخارف الفسيفسائية أو النقوش الزخرفية على جدران المسجد الطينية. واجهة المسجد مبنية من الطين وبساطة شديدة، مما يبرز أول وهلة الحياة البسيطة والنقية لسكان الصحراء.
يتكون المبنى من الأجزاء الرئيسية التالية: الصحن، المدخل، المئذنة، واثنين من الأروقة. أحد الأروقة يعتبر الرواق الرئيسي، بينما يستخدم الرواق الآخر في فصل الشتاء.

الفضاء الداخلي لمسجد فهرج
يمكن اعتبار أسلوب البناء في المسجد مشابهًا للأسلوب العربي، وهو مناسب لفترة البناء. ومع ذلك، فإن البناء يدمج عناصر العمارة الإيرانية القديمة، مثل الطوب الطيني الكبير، والزوايا البيضاوية، والعقود المدببة التي كانت موجودة في المباني من العصر الساساني.

الرواق الرئيسي في المسجد
الرواق في المسجد هو ممر يحيط بالصحن المركزي. سقف الرواق الرئيسي أعلى من باقي أجزاء المسجد. تم تصميم ساحة المسجد بحيث تكون عرض الجهة الشمالية أكبر من الجهة الجنوبية، ولذلك فإن الرواق لا يتخذ شكلًا مربعًا متناسقًا.
من بين ثلاثة مداخل للرواق، يعتبر المدخل الأوسط أكبر من المدخلين الآخرين. القوسات تمت تصميمها بشكل بيضاوي، وتظهر الزخارف الجصية فيها. هذه الزخارف تضم أشكالًا نباتية مشابهة لتلك التي توجد في قصر كسرى في تيسفون. في ذلك العصر، كان المعماريون الإيرانيون يبنون المدخل الرئيسي في اتجاه القبلة، ولذلك كانت القوس الوسطى أكبر لاحتوائها على المحراب في مركز البناء.
الأعمدة في المسجد لها شكل مستطيل، وفي كل زاوية من الأعمدة يوجد عمود صغير للزخرفة. هذا التزيين في الأعمدة أحدث بعض الجدل حول تحديد القرن الأول أو الثاني الهجري كزمن لبناء المسجد، إذ كانت الأعمدة في القرن الأول خالية من الزخرفة.

المحراب في مسجد فهرج
يوجد في هذا المسجد محرابان. المحراب الرئيسي مبني من الجص وأبعاده 2.32 في 3.24 متر. يقع المحراب في المدخل المركزي للرواق الرئيسي. أما المحراب الثاني، وهو أصغر حجمًا، فيوجد في الجهة الغربية من المحراب الأول.

الرواق الفرعي والمئذنة في مسجد فهرج
تم بناء رواق أصغر في الجهة الجنوبية الغربية من المسجد. الغرض من بناء هذا الرواق المستطيل هو استخدامه في فصل الشتاء. الأبعاد الطينية المستخدمة في هذا الجزء من المسجد، بالإضافة إلى الاختلافات في بناء الأسقف، جعلت الخبراء يعتقدون أن هذا الرواق قد تم إنشاؤه بعد تأسيس المسجد. المواد المستخدمة في هذا الرواق متوافقة مع تلك المستخدمة في المئذنة، مما يعني أنهما قد تم بناءهما في نفس الفترة، ومن المحتمل أن يكون ذلك في القرن الرابع أو الخامس الهجري (القرن العاشر أو الحادي عشر الميلادي). بجانب المئذنة الأسطوانية، توجد بعض الغرف التي لم يتم تحديد وظيفتها بدقة.

رواق المسجد
رواق المسجد يقع مقابل الرواق الرئيسي، ويتكون من أربعة مداخل على شكل قوس قبة. أمام هذه المداخل، توجد ثلاثة مداخل للرواق، حيث لم يتم الالتزام بالتناظر في تصميمها. سقف الرواق الشمالي يحتوي على قباب نصفية ذات جوانب بيضاوية تضفي جمالاً خاصاً على المكان.

مدخل مسجد فهرج
لدخول مسجد فهرج، يوجد ثلاثة مداخل منفصلة. في الوقت الحالي، يتم استخدام المدخل الجنوبي الغربي للدخول إلى المسجد، في حين أن المدخلين الشرقيين مغلقين.

زخارف المسجد
بشكل عام، فإن مسجد فهرج يفتقر إلى الزخارف، ولكن هناك ثلاث تصاميم زخرفية جصية تظهر في أجزاء مختلفة من المسجد، وهي متشابهة فيما بينها. أحدها عبارة عن ضوء يتدفق على قوس المحراب الصغير، وآخر يظهر عدة بتلات فوق المحراب الرئيسي. كما يوجد تصميم مشابه تحت قوس الجدار الجنوبي للرواق. قبل دراسة مسجد فهرج، كان الخبراء يعتقدون أن التصاميم الجصية تعود إلى القرون العاشرة والحادية عشر الميلاديّة، ولكن بما أن تاريخ بناء المسجد يعود إلى ما قبل هذه السنوات، فإن التصاميم الجصية تحمل تاريخًا أقدم.

التسجيل الوطني لمسجد فهرج
تم تسجيل مسجد فهرج في قائمة الآثار الوطنية الإيرانية في عام 1970 ميلادي (1349 هجريًا شمسيًا).