احتفال تي-تي: شكرًا لوصول الزهور

في جميع أنحاء إيران، يمكن العثور على احتفالات وطقوس تعكس تاريخ وعادات وأسلوب حياة الناس. هذه الطقوس، التي تتأثر بثقافة كل منطقة وجغرافيتها الخاصة، اكتسبت أشكالًا ومظاهر فريدة من نوعها. في قلب جبال ألبرز، بالقرب من قمة دماوند الشامخة، في مدينة "رینه" التابعة لمقاطعة آمل، يُقام احتفال يعرف باسم "تي-تي"، وهو طقس يكرم العلاقة العريقة بين الطبيعة والحياة والخصوبة والبركة. يُعتبر احتفال تي-تي في الأصل طقسًا نسائيًا، حيث يجمع بين الأسطورة والواقع ويبرز العلاقة العميقة بين الإنسان والطبيعة.

أين تقع رینه؟

رینه مدينة صغيرة يسكنها الناس من أصل طَبري. تبعد حوالي 110 كيلومترات عن طهران، ويمكن الوصول إليها عبر طريق هراز. تقع رینه على ارتفاع 2400 متر فوق مستوى سطح البحر، وهي الأقرب إلى قمة دماوند، أعلى قمة في إيران. المتسلقون الذين ينوون صعود دماوند من الجانب الجنوبي يمرون عبر رینه. كما تحتوي المدينة على ينابيع مياه حارة، حيث تصل درجة حرارة المياه إلى 60–70 درجة مئوية، وتفيد في علاج أمراض العضلات والمفاصل. أما أماكن الإقامة فهي غالبًا بالقرب من هذه الينابيع.

رینه من مناطق المزارع الصيفية في آمل، وتكثر فيها أشجار التفاح، الكرز، الكرز الحامض، الجوز، المشمش، البرقوق، البندق والكمثرى. لذلك، يُعتبر الربيع والصيف أفضل وقت للزيارة، حين تكون الطبيعة في أوج جمالها وتصبح رؤية دماوند أكثر روعة. يعتمد السكان بشكل رئيسي على الزراعة وبيع ثمار هذه الأشجار، ولذلك يُعتبر موسم تزهير الأشجار في الربيع وقتًا للشكر وطلب الخير من الله.

الجذور التاريخية والثقافية لاحتفال تي-تي

كلمة "تي-تي" في لغة مازندران تعني "الزهرة الصغيرة" أو "البراعم". من هذا الاسم يمكن فهم الرمزية العميقة للطقس. بعض الروايات الشعبية تصوّر تي-تي كمخلوق أسطوري أو شخصية نسائية أسطورية تزهر الأرض كل ربيع. وهكذا، لا تشير تي-تي إلى تفتح الأشجار فحسب، بل إلى خصوبة الأرض وحيويتها ونشاط الطبيعة. تاريخيًا، يرى بعض الباحثين أن الاحتفال بتي-تي هو بقايا طقوس قديمة مرتبطة بالإلهات المتعلقة بالخصوبة والأرض. في المعتقدات الإيرانية القديمة، يمكن ملاحظة الاعتقاد بدور النساء كوسيط بين البشر وقوى الطبيعة، يمنحهن القدرة على الإحياء والخصوبة.

طريقة إقامة احتفال تي-تي

يُقام احتفال تي-تي في رینه كل ربيع مع تفتح الأشجار، بالقرب من ينابيع المياه الحارة في أحضان الطبيعة. يُعد الاحتفال نسائيًا أساسًا، إلا أن الرجال يشاركون فيه أحيانًا. ترتدي النساء في هذا اليوم الملابس التقليدية الملونة ويحضرن طعامًا بسيطًا وخبزًا محليًا. جزء من هذه الأطعمة يُوزع كنوع من النذر لتحقيق الحاجات. خلال الاحتفال تُؤدى الأغاني المحلية فرديًا أو جماعيًا، كما تُقام الألعاب والرقصات التقليدية، وتُروى القصص المتعلقة بأسطورة تي-تي أو الحياة في العصور الماضية.

على الرغم من أن هذا الاحتفال يعود إلى عدة قرون، إلا أن تنفيذه كان في تراجع حتى العقد الماضي، لكنه أعيد إحياؤه مؤخرًا ويُقام اليوم كالمهرجان السنوي. تشمل فعالياته مسابقات مصارعة محلية تُعرف بـ "لوشو" وألعاب محلية أخرى. في بعض الأحيان، يقيم السكان مراسم الزفاف بالتزامن مع هذا الطقس. كما تُقدّم أساليب مختلفة من الموسيقى المحلية في مازندران مثل "الأميري خواني" في شرق المقاطعة و"الكتولي" (الغناء الشعبي في مازندران) ضمن برامج الاحتفال.