طقوس الإفطار الرمضاني: تجلّي جميل للتآلف بين الناس

الإفطار الرمضاني: تقليد ثقافي يمزج الإيمان والدينامية الاجتماعية في إيران

لسفر إلى جميع أنحاء إيران ورؤية كل جمالها، يلزم عمر طويل، أطول من أعمار الناس في هذا العصر، وقد يلزم التقمص عدة مرات لإكمال هذه الرحلة المليئة بالقصص! في كل نقطة من إيران، توجد مبانٍ رائعة يمكن تأليف القصص حولها والتحدث عن تاريخها الذي يمتد لقرون. هذه كلها أجزاء من إيران، لكنها ليست كل إيران، فإلى جانب هذه المعالم، الثقافة والعادات والتقاليد المحلية أصيلة وثمينة للغاية بحيث لا يمكن التغاضي عنها. هذه العادات والممارسات جزء من حياة الإنسان الإيراني ومرتبطة بمعتقداته وتاريخه. العديد من هذه الطقوس تعكس القيم التي يثمنها الإيرانيون ويحاولون الحفاظ عليها. من بين هذه الطقوس، يُعتبر «الإفطار الرمضاني» من أجملها، وهو تقليد يمزج بين المعتقدات الدينية والذوق والعادات الإيرانية.

طريقة إقامة تقليد الإفطار الرمضاني

يصوم المسلمون في شهر رمضان من أذان الفجر وحتى أذان المغرب، ممتنعين عن الأكل والشرب وكل ما يبطل الصوم. عادةً، تُخصص الوجبات لهذا الشهر إلى «السحور» قبل بدء الصيام و«الإفطار» بعد غروب الشمس. في إيران، شهر رمضان لا يقتصر على الصيام فقط، بل هو نمط حياة يتضمن تقاليد خاصة تُقام غالبًا جماعيًا بحضور أفراد الأسرة أو مجموعات اجتماعية. وفق هذا النمط، يُقام الإفطار أيضًا بشكل جماعي، ويتحمل شخص أو أكثر تكاليف الإفطار. على الرغم من إمكانية حضور الجميع، يسعى القائمون على الإفطار لاستضافة أكبر عدد ممكن من المحتاجين. عادةً تُقام الإفطارات العامة في المساجد والحسينيات وأماكن يسهل الوصول إليها.

موائد الإفطار في حرم الإمام الرضا

الإفطار شائع بين المسلمين في جميع أنحاء العالم، لكن ما يميز إيران هو تنوع الأطعمة والطقوس المرتبطة بها. تختلف طريقة إقامة الإفطار بين المدن والمناطق بحسب الثقافة المحلية والعادات، لكن الهدف الأساسي هو إطعام من صام يومًا من شهر رمضان. تُحدد نوعية الطعام بحسب عدد الحضور وقدرة القائمين على التحمل المالي، فقد يكون الأرز مع اليخنة، أو خبز وجبن، أو تمر وحلويات، أو حتى كوب من العصير البارد. في الإفطارات العائلية، عادةً ما يُقدَّم الخبز والجبن والشاي والتمر والحلويات الخاصة برمضان مثل الزولبيا وال بامية، بالإضافة إلى العصير. أحيانًا يُعدّون حساءً، شوربة شعيرية، شله زرد، فَرني أو أطباق خفيفة ومغذية لتزيين المائدة.

وفق التعليمات الدينية، يُفضل أن يجلس الصائمون إلى المائدة بعد صلاة المغرب والعشاء، لكن لا يُعدّ إلزاميًا، إذ يمكن لمن يشعر بالجوع أو العطش أو الضعف أن يصلي بعد الإفطار. يُعتبر الإفطار الجماعي وسيلة لتعزيز الأخوة والتعاون، وقد أوصى به القادة الدينيون. حتى من لا يملك القدرة المالية يمكنه المساهمة بتوزيع التمر، حلوى بسيطة، أو حتى ماء، ليكون شريكًا في أجر الإفطار. يشارك الأطفال أيضًا بأعمال صغيرة مثل ترتيب المائدة.

القائمون على الإفطار يزورون بيوت المحتاجين لتقديم الطعام

تُعرف الليالي التاسعة عشرة، الحادية والعشرون، والثالثة والعشرون من رمضان بـ«ليالي القدر»، ويعتقد المسلمون أن القرآن نزل فيها. وفق المعتقد الشيعي، تُقدّر فيها أقدار السنة، لذا يقضي الناس هذه الليالي في الدعاء والابتهال حتى الفجر. وبسبب أهمية هذه الليالي وتزامن بعضها مع ذكرى استشهاد الإمام علي بن أبي طالب، يُقام الإفطار بشكل أوسع في هذه الليالي.

تاريخ تقليد الإفطار الرمضاني

تاريخيًا، يعود نشوء الإفطار الرمضاني إلى ظهور الإسلام. أرسل النبي محمد أول تعليمات صيام رمضان في السنوات الأولى من دعوته، وبهذا تشكلت التقاليد المرتبطة بهذه الفريضة. في إيران، كانت هذه العادات موجودة منذ دخول الإسلام، حيث كان الناس قبل وجود أدوات ضبط الوقت يعتمدون على طلوع النجوم لتحديد وقت الإفطار، ثم يضعون الأطعمة على المائدة ويقيمون التقليد.

تسجيل الإفطار الرمضاني ضمن التراث الوطني والعالمي

تم تسجيل تقليد الإفطار الرمضاني، ضمن ملف «الإفطار والتقاليد الثقافية والاجتماعية المرتبطة به»، في عام 2023 ميلادي (1402 هجري شمسي)، بشكل مشترك في الدورة الثامنة عشر للجنة حماية التراث الثقافي غير المادي لليونسكو باسم إيران، أذربيجان، تركيا وأوزبكستان. وكان الإفطار الرمضاني هو العنصر الثالث والعشرون للتراث الثقافي غير المادي الإيراني المسجل لدى اليونسكو. أما على الصعيد الوطني، فسبق أن أدرج الإفطار في قائمة التراث الثقافي غير المادي الإيراني عام 2013 ميلادي (1392 هجري شمسي).