التطريز في مِمقان: تمازج رائع بين الجمال والدقة وذوق الفنانين المجهولين

يُعَدّ التطريز بالإبرة (السوزن‌دوزي) من أبرز الصناعات اليدوية في إيران، إذ تُعَدّ الإبرة والخيط والقماش المواد والأدوات الأساسية فيه. وبسبب بساطة هذه المواد وتوافرها في كل مكان، انتشر هذا الفن على نطاق واسع في أنحاء إيران، واكتسب كل إقليم أسلوبه الخاص في النقوش والألوان وأنواع الغرز. ومن بين هذه الأنواع، يتميّز تطريز ممقان بخصائص فنية فريدة، مما جعله يُسجَّل عام 2011م (1390 هـ.ش) في قائمة التراث الثقافي غير المادي لمحافظة أذربيجان الشرقية وإيران عموماً.

التاريخ والاقتصاد في ممقان

تقع مدينة ممقان في قضاء آذرشهر ويبلغ عدد سكانها نحو عشرين ألف نسمة. تبعد عن مدينة تبريز حوالي 42 كيلومتراً. ويُعتقد أن تاريخ ممقان يعود إلى عصر الإيلخانيين (القرنان الثالث عشر والرابع عشر الميلاديان)، كما يرى بعض الباحثين أن اسمها ذو أصل مغولي، منسوب إلى «منغوقاآن» شقيق «هولاكو خان» الذي يُقال إنه حكم هذه المنطقة.
تشتهر ممقان بزراعة الحمص، غير أن فيها صناعات يدوية متنوعة مثل التطريز بالإبرة، صناعة نسج القش (الجارو)، ونسج السجاد. ويُعرف التطريز في هذه المدينة باسم ممقان‌دوزي، تيمناً بجمال تصاميمه ودقته ومتانة منتجاته.

خصائص فن التطريز في ممقان

من الناحية التقنية، يُعَدّ تطريز ممقان نوعاً من الرودوزي (التطريز السطحي)، حيث تُغطّى أرضية القماش بغرز من خيوط ملوّنة لتشكيل سطح جديد غني بالألوان والزخارف. معظم التصاميم المستخدمة نابعة من خيال الفنانات وتستوحى من الطبيعة، وغالباً ما تتخذ شكل الأزهار والنباتات.
يُمارس هذا الفن غالباً في البيوت على يد النساء والفتيات، ويُستخدم فيه خيط الحرير الطبيعي الملوّن. ومن أبرز المنتجات التي تُصنع به: المفارش، القبعات، قطع الملابس، الأحذية، وأغطية الطاولات.

طريقة عمل حرفيات ممقان

يُستخدم عادة قماش "دَبیت" أو "ساتان" أسود كخلفية للعمل، بينما يُستعمل قماش "متقال" كقماشٍ داخلي (بطانة) لزيادة متانة المنتج. واختيار اللون الأسود للخلفية يُسهِّل على الحرفية رؤية الفراغات بين الغرز وتعديلها بدقة. وعند اكتمال العمل، تُشكّل الإطارات السوداء المحيطة به تبايناً يزيد من سطوع الألوان وجمالها.

الخيوط المستعملة قد تكون من الحرير الطبيعي أو الحرير الصناعي (فيسكوز أو أستات)، وتُستخدم بثلاث سماكات:

• رقيقة (6 طبقات)

• متوسطة (15 طبقة)

• سميكة (30 طبقة)

أما الأدوات الأخرى فتشمل المقص، الكُشتبان (واقية الإصبع)، وإبرة بطول 4 سنتيمترات. ويستعمل في هذا الفن أنواع متعددة من الغرز مثل:
السلسلة، العروة، التثبيت، البطانية، الشعاعية، والساتان.

قبل البدء بالتطريز، تُختار سماكة الخيط بحسب التصميم المراد تنفيذه، ثم تُقص الأقمشة (الدبیت والمتقال) وتُثبت مع ورقة رقيقة كجريدة مثلاً. تكون البطانة والورقة بنفس الحجم، بينما يكون قماش الدبیت أكبر بنحو سنتيمترين من كل جانب.

بعد ذلك تُخاط أطراف القماش بغرزة السلسلة على مسافة نصف سنتيمتر من الحافة، إذ تُدخل الإبرة من أسفل القماش، ثم تُخرج من الأعلى على بعد بضعة مليمترات، وقبل شدّ الخيط تماماً تمرّر الإبرة داخل الحلقة المتكوّنة على السطح، وتُسحب حتى تتكوّن سلسلة متصلة. تكرّر هذه العملية حتى يكتمل إطار القماش.

بعد الانتهاء من الإطار، تبدأ الفنانة بتطريز الزخارف في المنتصف عبر مراحل متعددة. ودقّة التنفيذ في هذه المراحل تمنح منتجات التطريز الممقاني جمالاً متقناً ومتانة فائقة. إن تنوّع الغرز في هذه المنتجات يجعل عملية إنتاجها طويلة زمنياً وتتطلّب مهارة عالية وصبراً كبيراً من الحرفيات.