الغرافیك الإيراني؛ مزيجٌ فنيٌّ متقنٌ بين التقنية والمضمون
            
           
            يُعَدّ فنّ التصميم الغرافيكي عمليةَ اختيارٍ وتنظيمٍ لعناصر مثل الصورة، والنص، والرمز، واللون في إطار تركيبةٍ بصريةٍ جديدة تهدف إلى إيصال رسالةٍ محددةٍ إلى المتلقّي. ويُستعمل أحيانًا مصطلح «الاتصال البصري» بدلاً من «التصميم الغرافيكي»، للدلالة على تناغم مجموعةٍ من الفنون والمهن التي تهدف إلى تحقيق التواصل وتقديم المعلومات بصريًا.
غالبًا ما يكون التصميم الغرافيكي عملًا جماعيًا، إذ يقوم المصمّم، بعد دراسة موضوع المشروع، بدمج نصوص الكتّاب مع صور المصوّرين والرسّامين، مستعينًا بأدواتٍ مثل الطباعة الفنيّة، تنسيق الصفحات، وتقنيات الحاسوب. وفي العصر الحديث، اتّسع نطاق هذا الفن ليشمل وسائل متعدّدة إلى جانب المطبوعات الورقية مثل الجدران، القماش، المعدن، الخشب والبلاستيك، فضلًا عن ظهوره في السينما والتلفزيون والإنترنت.
تاريخ الغرافيك
يُعَدّ التصميم الغرافيكي بمعناه الحديث ظاهرةً جديدة في تاريخ الإنسان، لكنّ جذوره تمتدّ إلى إنجازاتٍ قديمة، مثل الخطوط التصويرية القديمة كالميخي، والهيروغليفي، والصيني، التي أرست أساس التعبير الرمزي البصري. وقد عبّر الإنسان من خلالها لأول مرة عن أفكاره باستخدام رموزٍ وصورٍ ذات دلالةٍ مرئيةٍ ولغوية.
يختلف الباحثون في تحديد بدايات التصميم الغرافيكي تاريخيًا؛ ففريقٌ يرى أنّ الفنون التقليدية مثل المنمنمات، تزيين الكتب القديمة، الخط العربي والنقش كانت تمهيدًا للتصميم الغرافيكي الحديث. بينما يعتبر آخرون أنّ نشوء صناعة الطباعة الحديثة باختراع مطبعة غوتنبرغ في القرن الخامس عشر الميلادي وتطوير الحروف المعدنية في القرن الثامن عشر هو البداية الحقيقية لتاريخ التصميم الغرافيكي.
وترى المصادر الغربية أنّ النصف الثاني من القرن التاسع عشر هو زمن انطلاق التصميم الغرافيكي الحديث، متأثرًا بالتحوّلات الصناعية والتجارية الكبرى. ففي تلك المرحلة، كان التصميم الغرافيكي مهارةً صناعية ضمن عملية الطباعة الإعلانية. ثمّ تطوّر ليصبح مجالًا فكريًا وفنيًا مستقلًا، حيث انفصلت مرحلة التصميم عن مرحلة التنفيذ الميكانيكي للطباعة.
نشأ الفن الغرافيكي الحديث بفضل عواملٍ عدّة، منها تطوّر الطباعة الحجرية، وتأثر المصمّمين الأوروبيين بالنقوش اليابانية الخشبية، وازدهار المعارض التجارية الدولية، واهتمام بعض الرسّامين بتصميم الملصقات. وفي هذا السياق أطلق المصمّم البريطاني ويليام أديسون ديغنز عام 1922م مصطلح «التصميم الغرافيكي» لوصف أعماله المتنوّعة، ثمّ شاع المصطلح عالميًا عام 1945م، وأُدرج كتخصّصٍ جامعي في عددٍ من المؤسسات الأكاديمية.

پوستر چهارمین جشنواره جهانی فیلم تهران، اثر مرتضی ممیز
 
بیشتر منابع تاریخ هنر غرب، نیمه دوم قرن نوزدهم میلادی و روزگار تاثیرات بزرگ صنعتی و تجاری بر زندگی جمعی مردم شهرنشین را زمان آغاز طراحی گرافیک مدرن قلمداد میکنند. این منابع، از طراحی گرافیک اولیه به عنوان مهارتی صنعتی در فرایند مکانیکی چاپ آگهیها یاد میکنند. در ادامه این روند، با پیچیدهتر شدن امکانات فنی و ارتباطی، طراحی و اجرای آثار گرافیکی از هم تفکیک میشود. در این تقسیم کار جدید، طراح وظیفه اندیشیدن به سفارش مشتری و پیاده کردن طرحی مناسب را برعهده میگیرد و اجرای اثر با راهنمایی او به چاپچیها و چاپخانهها واگذار میشود.
طراحی گرافیک به طور مشخص با پذرش پیوستگی هنرهای زیبا و کاربردی، رواج چاپ لیتوگرافی، دلبستگی طراحان اروپایی به حکاکیهای چوبی ژاپنی، برگزاری نمایشگاههای تجاری بینالمللی و گرایش برخی هنرمندان نقاش به طراحی پوستر آغاز میشود. در این میان، پوسترهای اولیه موضوعات هنری و تجاری گستردهای را دربرمیگیرند و رفتهرفته زمینه ورود آثار گرافیکی را به موزههای بزرگ هنری فراهم میسازند. در نتیجه همین اقبال عمومی به ارتباط بصری و شکلگیری انواع مختلف گرافیکی، سرانجام یک تصویرگر و طراح حروف به نام «ویلیام ادیسون دایجینز» اصطلاح «طراحی گرافیک» را در سال 1922 میلادی جهت توصیف آثار متنوع خود ابداع میکند. در سال 1945 میلادی، اصطلاح طراحی گرافیک مورد پذیرش همگانی قرار میگیرد و همزمان در بسیاری از دانشگاههای معتبر جهان، رشتهای با این نام راهاندازی میشود. 
 

طراحی جلد کتاب خودباوری در خلاقیت، اثر مجید زارع
فروع التصميم الغرافيكي
يضمّ التصميم الغرافيكي فروعًا متعدّدة منها:
 

پوستر ششمین نمایشگاه نگارگران قم، اثر مسعود نجابتی
ب) تصميم الشعار (اللّوغو)
الشعار هو رمزٌ محدّدٌ وفريد تُعرَف من خلاله مؤسسة أو شركة أو جهةٌ رسمية أو خاصة. وقد يكون الشعار شكلًا رمزيًا بسيطًا، أو اختصارًا حرفيًا لاسمٍ ما (شعار نصّي)، أو دمجًا بين الرمز والحروف.
يُعَدّ تصميم الشعار من أصعب مجالات العمل الغرافيكي، إذ يتطلّب معرفة دقيقة بموضوع العلامة وجمهورها المستهدف وعناصرها البصرية من لونٍ وشكلٍ وبنية.
ومن أهم خصائص الشعار الناجح: البساطة، الوضوح، التفرد، التناسق، القابلية للتطبيق في وسائط متعددة، والقدرة على البقاء في ذاكرة المشاهد.
 

لوگوی شبکه خبر، اثر مصطفی اسداللهی
ج) تصميم التغليف 
يُعَدّ التغليف أحد أكثر ميادين الاتصال البصري انتشارًا، إذ يمثّل واجهةً مباشرة بين المنتج والمستهلك. ويتكوّن تصميم العبوة من عناصر متعدّدة يجب أن تُحدث أثرًا موحّدًا ومتجانسًا على المتلقّي، مثل:
- 
شكل العبوة المتناسب مع نوع السلعة،
 
- 
تصميم خطوط الطيّ والقصّ،
 
- 
الطباعة والحروف (التايبوغرافيا)،
 
- 
الشعار،
 
- 
اختيار الألوان والصور،
 
- 
وتحديد مواقع النصوص والمعلومات.
 
يعتمد نجاح تصميم التغليف على فهم طبيعة المنتج والسوق والمستهلك، إضافةً إلى معرفة علم نفس الألوان، ومراعاة المعايير الدولية والمحلية للإيضاح البصري والإعلام السريع عن محتوى المنتج.
 

طراحی بستهبندی محصول، اثر فاطمه کرکهآبادی
د) تصميم الرموز التصويرية (البيكتوغرام)
البيكتوغرام هو رمز غرافيكي قياسي يستمدّ معناه من تشابهه مع الواقع الخارجي. فهو يمثل لغةً بصريةً عالمية تقوم على تبسيط صورة الأشياء أو الأنشطة لغاياتٍ إرشادية أو تعليمية.
تُستعمل هذه الرموز عادةً في الأماكن العامة لتقديم التوجيه أو التحذير أو التعليم، مثل إشارات المرور. وتتميّز بمستوى عالٍ من التناسق البصري لأنّها غالبًا ما تُصمَّم ضمن نظامٍ واحدٍ من الرموز.
وترجع أصول البيكتوغرامات الحديثة إلى الكتابات التصويرية القديمة مثل المسمارية والهيروغليفية.
 

طراحی پیکتوگرام، اثر ساره کهزادی
 
هـ) فنّ التايبوغرافيا (تصميم الحروف)
التايبوغرافيا هي فنّ تركيب وتنظيم الحروف من أجل ابتكار لغةٍ بصريةٍ تعبيريّة.
تقوم على ثلاثة مبادئ أساسية: تحوير شكل الحروف، المبالغة في عناصرها، وتبسيطها.
وفي هذا النوع من التصميم، قد تتقدّم القيمة الجمالية والتأثير البصري على حساب سهولة القراءة، إذ يعاد تنظيم الحروف والنقاط والأحجام والمسافات بما يخدم الرؤية الجمالية للمصمّم.
ظهر المفهوم الحديث للتايبوغرافيا في بدايات القرن العشرين كردّ فعلٍ على التناظر والزخرفة الكلاسيكية في الخطوط القديمة، واتّسم بالاعتماد على الأشكال الهندسية، وتفاوت أحجام الحروف، وتنوّع الألوان.
واليوم أصبحت التايبوغرافيا وسيلةً فنيةً مستقلّة تُستعمل في عناوين الأفلام والكتب والملصقات والشعارات النصية والغرافيتي.
 
 

طراحی تایپوگرافی اثر مسعود سپهر
و) تنسيق الصفحات 
هو فنّ توزيع العناصر النصيّة والبصرية على الصفحة بطريقةٍ متوازنةٍ ومنسجمة، سواء في الكتب أو المجلات أو الصحف أو صفحات الويب.
يراعي المصمّم في هذا الفنّ الهوامش، والفواصل، ومواقع الصور، وأنواع الخطوط وأحجامها لضمان قراءةٍ مريحةٍ وجماليةٍ منسجمة.
وتُنفَّذ أعمال تنسيق الصفحات اليوم في الغالب باستخدام برامج الحاسوب مثل Adobe InDesign.
 

صفحهآرایی مجله، اثر مجتبی مجلسی
ز) تصميم المواقع الإلكترونية
تصميم الويب هو فرع حديث من فروع الغرافيك، يعتمد على الوسائط الرقمية بدل المواد الطباعية.
يحوّل المصمّم أفكاره إلى مخططاتٍ مرئيةٍ رقمية تُنقل بعد ذلك إلى لغة الحاسوب من قِبل المبرمج.
ويُستفاد فيه من فروعٍ أخرى كتصميم الشعارات، التايبوغرافيا، وتنسيق الصفحات.
ومن أهمّ مبادئه:
- 
استخدام خطٍّ أو خطوطٍ متجانسة عبر الموقع،
 
- 
اختيار ألوانٍ منسجمة مع بيئة العرض الإلكترونية،
 
- 
تحقيق وحدة بصرية وهوية واضحة للموقع لتجنّب إرباك المستخدم.
 
 

 طراحی صفحه وب، اثر مهرداد مهآبادی 
أدوات الفنّ الغرافيكي
يتقاطع فنّ الغرافيك في أدواته مع سائر فروع الفنون التشكيلية كالرسم، والتصوير، والتصميم الإيضاحي. فالأدوات في هذا الفنّ تُعدّ ذات أهميةٍ تعادل أهمية التصميم ذاته، إذ تؤثّر تأثيرًا مباشرًا في تلقّي الجمهور للرسالة أو الموضوع المقصود.
في العصر الحديث، أصبح الحاسوب وبرامج التصميم الحاسوبية من أهمّ أدوات التصميم الغرافيكي، إلى جانب الأدوات التقليدية مثل القلم الرصاص والورق. وكثيرًا ما يُمزَج بين الأدوات التقليدية والحديثة في مرحلة الإبداع أو في تقديم العمل النهائي.
عمومًا، تُستخدم في التصميم الغرافيكي مجموعة واسعة من الأدوات، منها:
وهذا التنوع في الأدوات يمنح المصمّم الغرافيكي حريةً أكبر في التعبير، ويتيح له إمكاناتٍ تقنية وجمالية متنوّعة في صياغة العمل البصري وإيصال فكرته بوضوح وتأثير.
التصميم الغرافيكي في إيران
تعود جذور التصميم الغرافيكي الحديث في إيران إلى إنشاء المطابع الحديثة في القرن الثالث عشر الهجري، وتطوّر الصحافة والإعلانات السياسية. ومع منتصف القرن العشرين، ازدهر هذا الفنّ في تصميم أغلفة الكتب، الإعلانات التجارية، الطوابع، والملصقات السينمائية والمسرحية.
ومع تأسيس أقسام التصميم الغرافيكي في كليات الفنون، اكتسب هذا المجال طابعًا أكاديميًا ومهنيًا، وارتبط ارتباطًا وثيقًا بالحركة الغرافيكية العالمية. ومن المحطات البارزة في تطوره: تأسيس جمعية مصممي الغرافيك الإيرانيين عام 1997م، وافتتاح متحف الغرافيك الإيراني عام 2014م.
 
 

دهمین دوسالانه جهانی پوستر تهران، اثر قباد شیوا
من أبرز التيارات الفنية في الغرافيك الإيراني توظيف الخطّ الفارسي وعناصر الخط العربي في التصميم، كما يظهر في أعمال قباد شیوَه ورضا عابديني ومسعود نجابتي، حيث اندمج الجمال الحروفي مع الأسلوب البصري الحديث، فكوّن هويةً فنيةً فريدة ميّزت الغرافيك الإيراني على الساحة العالمية.
 

 پوستر سومین جشنواره هنرهای تجسمی فجر، اثر رضا عابدینی 
وقد بدأت هذه الحركة مع الأعمال الطباعية لقُباد شيوَه في أوائل سبعينيات القرن العشرين (السبعينات الهجرية الشمسية)، بالتوازي مع حركة السقاخانه في الرسم الإيراني الحديث.
في بعض ملصقات قباد شيوَه، تحوّلت الزخارف الخطّية، بعد إدخال تعديلاتٍ غرافيكيةٍ عليها، إلى العنصر المحوري في العمل الفني. وقد عاد هذا الاهتمام الغرافيكي بالخطّ وجوانبه البصرية ليبرز مجددًا في أواخر تسعينيات القرن العشرين، على يد مجموعةٍ من المصمّمين الإيرانيين مثل رضا عابديني ومسعود نجابتي، الذين استفادوا من إمكانات التصميم الرقمي لتوسيع هذا التيار.
وفي يومنا هذا، نادرٌ أن نجد عملًا غرافيكيًا إيرانيًا لا يحمل بصمةً مباشرةً أو غير مباشرةٍ من تأثير هذا الاتجاه، الذي أصبح سمةً مميّزةً للهوية البصرية الإيرانية المعاصرة.