صنيع الملك: مؤسس أوّل مدرسة للفنون الرسم في إيران

صنيع الملك: مؤسس أوّل مدرسة للفنون الرسم في إيران

صنيع الملك: مؤسس أوّل مدرسة للفنون الرسم في إيران

ميرزا أبو الحسن خان غفاري كاشاني (أبو الحسن الثاني) الملقب بصنيع الملك، ابن ميرزا محمد غفاري، الرسام والمصغّر البارز في القرن الثالث عشر الهجري، وُلد على الأرجح حوالي عام 1229 هـ في كاشان. بعد إتمام طفولته والدراسة الأولية، وكان عمره نحو خمسة عشر أو ستة عشر عامًا، أُرسل لتعلم الرسم على يد الأستاذ مهرعلي الأصفهاني، الرسام البارز والمشهور في بلاط فتحعلي شاه القاجاري. وبفضل موهبته الفطرية وذكاءه العائلي، استطاع ميرزا أبو الحسن خان الاستفادة جيدًا من معلميه، فارتقى تدريجيًا في مراتب الفن وأكمل مهاراته حتى أصبح من بين الرسامين البارزين في عصره.

في عام 1258 هـ، حين كان في التاسعة والعشرين من عمره، أُذن له برسم لوحة زيتية لوجه شاه محمد شاه القاجار، وبذلك انضم إلى صفوف رسامي البلاط، ثم عُيّن لاحقًا كـ «نقاش باشي» في بلاط محمد شاه.

شمایل حضرت علی ابن ابی‌ طالب (ع)، آبرنگ و تذهیب روی کاغذ، 1277 هجری قمری

رحلته إلى إيطاليا
نظرًا لرغبته في تطوير وإكمال فنه، قرر صنيع الملك في أواخر عهد محمد شاه القاجار السفر إلى إيطاليا، التي كانت آنذاك مركزًا للفنون في أوروبا، لدراسة أعمال كبار الرسامين والمصغّرين الأوروبيين، لا سيما فناني عصر النهضة. وبمساعدة حسين علي خان معيرالممالك أو بمبادرة شخصية، أمضى فترة في مدارس ومتاحف روما وفلورنسا والبندقية والفاتيكان، حيث درس الرسم ونسخ أعمال كبار الفنانين الأوروبيين، ومن أبرزها لوحة «مادونا فولينيو» لرافائيل. وقد امتازت نسخته عن الأصل بإتقان عالٍ لدرجة أنّ بعض الخبراء فضّلوا نسخه على الأصل.

پرده تالار نظامیه، رنگ روغن روی بوم، از مجموعه کاخ موزه گلستان

العودة إلى إيران
حين كان صنيع الملك في إيطاليا، توفي محمد شاه القاجار، وتولى ناصر الدين ميرزا العرش عام 1264 هـ. عند عودته إلى إيران، أحضر صنيع الملك أدوات الرسم والمواد الفنية الأوروبية، التي ساعدت لاحقًا في تأسيس أول مدرسة رسم رسمية في إيران، حيث قام بتدريب طلابه ونشر أسلوب الرسم الغربي بأسلوب يتماشى مع التراث الفني الإيراني.

دو دلداده و پیرزن مشاطه، رنگ روغن، 1259 هجری قمری، از مجموعه کاخ موزه گلستان

نشاطه الصحفي والفني
بالإضافة إلى مهاراته في الرسم، درس صنيع الملك الطباعة الحجرية (الليثوغرافيا) أثناء إقامته في أوروبا. وعُيّن عام 1277 هـ رئيسًا لمطبعة البلاط وإدارة صحيفة «وقائع اتفاقية»، التي حرّرها وأدار نشرها وأضاف إليها الرسوم والصور التي رسمها بنفسه أو أعدها طلابه، لتكون أول صحيفة مصوّرة في إيران.

هزار و یک شب، جلد اول، آبرنگ روی کاغذ، از مجموعه کتابخانه کاخ گلستان

تأسيس أول مدرسة رسم في إيران
بعد عودته من أوروبا، أسس صنيع الملك أول مدرسة رسم رسمية في إيران لتعليم الرسم بأسلوب حديث، وجعل تدريب الطلاب ونشر أسلوب الرسم الغربي أحد أهدافه الأساسية، مؤسسًا بذلك فصلًا جديدًا في تاريخ الفن الإيراني.  استمر صنيع الملك لمدة ست سنوات، أي حتى نهاية حياته، في نشر الصحيفة وإدارة شؤون دار الطباعة والرسامين الحكومي، وبذل في ذلك كل جهده وإصراره. وخلال إصدار الصحيفة، قام برسم وجوه وصور العديد من رجال الدولة والشخصيات البارزة في ذلك العصر، وكذلك بعض المباني الملكية والحكومية في طهران، فخلّدها في صفحات الصحيفة. وبذلك، أصبح كل عمل من هذه الأعمال ذات قيمة كبيرة اليوم من حيث تاريخ الفن والرسم وصناعة الطباعة. وقد أدّت استمرارية هذه الأنشطة إلى أن يكرّس صنيع الملك معظم وقته لأعمال الصحيفة، فلم يتمكن كما في السابق من الانشغال بالأعمال الفنية وابتكار اللوحات والصور الجديدة والمستقلة.

شمایل حضرت رسول اکرم (ص)، آبرنگ و تذهیب روی کاغذ، 1278 هجری قمری

أسلوبه الفني وخصائصه
تميز صنيع الملك بالواقعية والطبيعية، مركّزًا على رسم الوجوه والبشر بدقة متناهية، مع الحفاظ على الهوية الفنية الإيرانية الأصيلة. كان يوازن بين استخدام تقنيات الرسم الأوروبي الحديث والتقاليد الإيرانية، محافظًا على أصالته الفنية، ولم يسمح لأي تأثير غربي بأن يضعف شخصيته الإبداعية. كما أبدع في المزج بين المينياتور الإيراني الكلاسيكي وأساليب الرسم الحديثة، وظهرت في بعض أعماله لمحات من الفكاهة والمرح، مما يعكس طرافة وذكاء الفنان. في بعض أعماله، يظهر نوع من الهزل والفكاهة التي نادرًا ما نجد لها مثيلًا في الفن الإيراني. وهذا يدل على خفة دم صنيع الملك ودقته الملاحِظة، وهي صفات كانت شائعة بين أهالي كاشان والعائلات الكاشية. وخلال السنوات التي قضّاها أبو الحسن خان صنيع الملك في إيطاليا، لم يكن قد حدث بعد أي تحول جديد في فن الرسم الأوروبي، وكان معظم الفنانين وورش العمل ملتزمين بالمبادئ الكلاسيكية لرسامي عصر النهضة، ويعملون على نفس الأسلوب التقليدي.

ناصرالدین شاه قاجار، آبرنگ روی کاغذ، از مجموعه موزه لوور پاریس

باختصار، يُعتبر صنيع الملك من أبرز الرسامين الإيرانيين في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين، حيث جمع بين الابتكار الأوروبي والهوية الإيرانية الأصيلة، وأسهم بشكل بارز في تطور الفن التشكيلي والرسم في إيران، تاركًا إرثًا فنيًا خالدًا من الأعمال والطلاب واللوحات التي أثرت المشهد الفني في البلاد.

 

 

الإسم صنيع الملك: مؤسس أوّل مدرسة للفنون الرسم في إيران
الدولة إیران
أدخل النص الخاص بک واضغط على Enter

تغییر حجم الخط:

تغییر المسافة بین الکلمات:

تغییر ارتفاع الخط:

تغییر نوع الماوس: