حسين بهزاد؛ رائد بارز في التصوير المصور المعاصر في إيران

حسين بهزاد؛ رائد بارز في التصوير المصور المعاصر في إيران

حسين بهزاد؛ رائد بارز في التصوير المصور المعاصر في إيران

حسين بهزاد: النشأة والبدايات الفنية

وُلد الأستاذ حسين بهزاد، الفنان والرسام البارز في إيران، في شهر مرداد عام 1273 هجري شمسي في طهران. ولأنه وُلد في شهر صفر، أُطلق عليه اسم حسين.

قضى طفولته في حي روبنده‌دوزها قرب بازار طهران. كان والده رسامًا، وقد تعلم بهزاد أولى أحرف فن الرسم على يديه، وتأثر بأعماله منذ سن الخامسة، إذ بدأ يميل إلى الرسم ويصنع رسوماته الخاصة في عالمه الطفولي. في سن مبكرة، طلب والده منه رسم شجرة، فقام برسم خطين متوازيين على الورق، وجعل قاعدة الشجرة أعرض، وعند سؤال والده عن السبب، أجاب حسين: «لأن قاعدة الشجرة تمتد إلى الأرض ولها جذور في التراب، لذلك فهي أعرض». لاحظ والده تفرد تفكير ابنه وذكائه الفني، وقال لزوجته إنه لو كان على قيد الحياة، لكان سيرسله إلى رسام لتلقي تعليم الرسم بشكل محترف.

في سن السابعة، تم تسجيل بهزاد في مدرسة شرف مظفر في شارع چراغ برق، بناءً على توصية زوج خالته الذي كان يعمل في بلاط مظفرالدين شاه. وأوضح بهزاد في مقابلة أنه منذ الطفولة كان الشغف بالرسم يتدفق في قلبه مثل نبع ماء، وأنه كان يبحث في عالم الألوان عن مثالياته المفقودة. كانت المشاعر الغامضة تقوده نحو الرسم، وعندما كان يمسك بالقلم أو الرصاص، كان يشعر بالعطش الذي ارتوى عند الوصول إلى بركة صافية.

كان بهزاد يختبئ برسوماته بين الكتب أو تحت قبعته ويحملها معه إلى المدرسة. وفي يوم ما، لاحظ المعلم بعض رسوماته وطلب منه التوقف عن الرسم والتركيز على الدروس. ويُذكر أنه في إحدى الحصص، وبسبب مشاغبة أحد الطلاب، سقطت قبعة حسين على الأرض وانشقت الرسومات، وكان من بينها رسم ساخر لمعلمه، فغضب المعلم وعاقبه وطرده من المدرسة. ومنذ ذلك الحين، لم يعد بهزاد إلى المدرسة.

بعد طرده، أرسله والده إلى مجمع الصناعات في بازار قديم گلوبندك، إلى الأستاذ أقا ملا علي قلمدان‌ساز، أحد أساتذة الرسم من أصفهان. كان هناك تيمچه يعمل فيه فنانو صناعة القلمدان. بدأ بهزاد نشاطه الفني هناك، لكن سرعان ما توفي أقا ملا علي بسبب انتشار وباء الكوليرا، فتولى شاخصه ميرزا حسن بيكرنگار إدارة الورشة.

أمضى بهزاد حوالي اثني عشر عامًا كمتدرب في ورشة ميرزا حسن بيكرنگار. خلال هذه السنوات، كان يرسم سرًا في غرفته أو منزله كلما سنحت له الفرصة، وكان دائمًا يحمل معه القلم والورق. حتى في الأزقة والأسواق، كان يرسم كل مشهد مثير للاهتمام يراه. وبفضل التمرن والمثابرة المستمرة، بدأ بهزاد يكتسب سمعة في ورشة ميرزا حسن، حتى أصبح معروفًا لدى أهل الفن في سن الثانية عشرة، وكان بعض زبائن القلمدان يطلبون منه تزيين منتجاتهم بالنقوش والزخارف الجميلة.

 

تولد عیسی مسیح (ع)، اثر استاد حسین بهزاد

حوالي سنة 1293 هـ.ش، قرّر حسين بهزاد الانفصال عن ورشة المعلّم ميرزا حسن بیکرنکار بسبب قلّة الأجر، فاستأجر ورشة صغيرة في خان الحاج رحيم الواقع في سوق بائعي التبغ بساحة السَّبْزَة للعمل بشكل مستقل. في تلك الفترة، كان اقتناء اللوحات المرسومة على طريقة كبار المصوّرين الإيرانيين مثل كمال الدين بهزاد ورضا عباسي شائعًا جدًّا، فشرع حسين بهزاد في تقليد ورسم أعمال هؤلاء الأساتذة في ورشته الخاصة. وكان يعمل يوميًّا نحو ثماني عشرة ساعة، ويتراوح دخله بين سبعة وعشرة تومانات، وتمكّن من خلال بيع أعماله من التخفيف إلى حدّ كبير من ضيق العيش.

وقبل اعتماد الأسماء العائلية رسميًّا في إيران، كان بهزاد يُعرف باسم "سید حسين الرسّام". وبحكم حبّه لفنّ المنمنمات وإعجابه بأعمال كبار الفنّانين، ولا سيّما كمال الدين بهزاد، اختار لنفسه اسم العائلة "بهزاد". وتجدر الإشارة إلى أنّ فنانًا آخر معاصرًا مشهورًا، هو حسين طاهرزاده، كان قد أضاف لقب "بهزاد" إلى اسمه العائلي أيضًا. لاحقًا، غيّر حسين بهزاد اسمه العائلي إلى "بهزاد منمنمات" ليتجنّب الالتباس مع فنّان آخر يُدعى حسين بهزاد وكان معروفًا هو أيضًا في مجال التصوير المصغّر.

وحوالي سنة 1295 هـ.ش، انتقل بهزاد من ورشته تلك إلى ورشة أخرى في الطابق العلوي من قصر "شمس العمارة"، وواصل هناك نشاطاته الفنية. وفي تلك الورشة نشأت صداقته مع ميرزاده عشقي، وهي صداقة استمرّت سنوات طويلة. وخلال هذه الفترة، لاقت نسخ بهزاد لأعمال كبار المنمّمين الإيرانيين، ومنهم كمال الدين بهزاد ورضا عباسي، إقبالًا واسعًا. ويعتقد بعض الباحثين أنّ هذه النسخ كانت دقيقة إلى درجة يصعب معها التمييز بينها وبين النسخ الأصلية. ولهذا السبب، اقتنى المستشرقون والمتاحف المرموقة عددًا كبيرًا من هذه الأعمال، وهي محفوظة اليوم في خزائن المتاحف والمجموعات الفنية الوطنية والدولية.

 

مدرسة تقلیدية (مکتب‌خانه)، من آثار استاد حسین بهزاد

أسلوب ورؤية حسین بهزاد الفنية

يرى بهزاد أن المنمنمات هي «شِعر الرسم» وأرقى أشكال الغزل الفني، إذ تتجاوز مفهوم الرسم التقليدي وتسمو عليه. ومن وجهة نظره، فإن مهمة المنمّنِم هي تجسيد جماليات الحياة ونقلها إلى المشاهد بأبهى صورة ممكنة. فبينما يعرض الرسّام الطبيعة بعناصرها المختلفة، يكتشف المنمّنِم مكامن الجمال ويصوغها في أسمى أشكالها. بمعنى آخر، المنمّنِم يرفع الجمال إلى ذروته ويمنحه هيئة متقنة تنبض بالحياة.

وانطلاقًا من هذا التصوّر، أطلق بهزاد على أسلوبه الخاص في المنمنمات اسم «الغزل-الرسم»، معترفًا بأن قلمه يتأخر أحيانًا عن فكره، مما يدفعه إلى رسم عدة تصاميم قبل أن يختار الأنسب منها. كما سمّى أسلوبه الجديد أحيانًا بـ «الرسم المنظوم»، موضحًا:

«ينبغي للمنمّنِم أن يأخذ روح عصره في الاعتبار، وأن يكون منتميًا إلى زمنه، وأن ينسج الأشكال كما يفعل الشاعر، بانسجام وبراعة تُمتع العين والقلب.»

في هذا السياق، كان بهزاد يقدّم المعنى والمضمون على الشكل والصورة، معتقدًا أن الفكرة تولد أولًا في ذهن الفنان، ثم تتطور داخله حتى تجد هيئتها المثالية، وعندها فقط يولد «مولود الفن».

حتى منتصف حياته الفنية، تأثر بهزاد تأثرًا كبيرًا بمدارس المنمنمات في هرات والعصر الصفوي، وتابع أساليب اثنين من أبرز روّادها، هما كمال‌الدین بهزاد ورضا عباسی، حيث قام بنسخ أعمالهما بدقة متناهية. لكنه لاحقًا، وبعد أن أصبح أحد كبار المنمّنين الإيرانيين، رأى أن الفنان لا ينبغي أن يظل أسير أسلوب محدّد، لأن الالتزام الصارم بالقواعد والأساليب يقيّد حرية الفن، والفن في جوهره حرّ لا يعرف القيود.

تصنيف أعمال حسین بهزاد

يمكن تصنيف أعمال بهزاد حسب درجة الإبداع الفني فيها إلى ثلاث مراحل رئيسية:

  1. الأعمال المبكرة: أنجزها بين الثانية عشرة والسابعة عشرة من عمره لأغراض مادية ومعيشية، وهي نادرة اليوم ولا تحمل سمات أسلوبية واضحة.

  2. الأعمال الوسطى (القديمة): بدأت خلالها أعماله تكتسب طابعًا فنيًا مميزًا، وجعلته متفرّدًا بين معاصريه. في هذه المرحلة تعمّق في دراسة مدارس هرات وأصفهان، ونسخ ببراعة أعمال كبار المنمّنين، استجابة لطلبات التجار وجامعي التحف.

  3. الأعمال المتأخرة: ظهرت بعد رحلته الأولى إلى باريس، حيث تعرّف على أساليب كبار الرسامين الإيرانيين والعالميين، فانعكس ذلك بوضوح على أسلوبه ومضامين أعماله.

ويرى بعض الباحثين أن الفئتين الأولى والثانية يمكن دمجهما، فيصنَّف إنتاجه الفني إلى نوعين رئيسيين:

  • أ) اللوحات التقليدية: منفّذة بأسلوب أصيل وكلاسيكي، على غرار أعمال منمّني هرات وأصفهان القدامى.

  • ب) اللوحات الحديثة: تعبّر عن أسلوب بهزاد الجديد، وتكشف التحوّل الذي أحدثه في المضمون والتصميم والألوان. وغالبًا ما تستند موضوعات هذه الأعمال إلى النصوص الأدبية والصوفية، حيث يستخدم بهزاد لونين أو ثلاثة بأسلوب دمج متقن يبرز براعة فنه.

بهار و سه‌تار، اثر استاد حسین بهزاد

معارض أعمال حسين بهزاد

بعد أن تقدم بهزاد تدريجيًا في فن المنمنمات المعاصرة في إيران وحقق شهرة واسعة، وتحرر من الأنماط التقليدية المتكررة، بدأ يقلل من نسخ أعمال السابقين وابتكر أسلوبه الخاص والفريد في المنمنمات. ومن خلال إقامة معارض فنية متعددة لأعماله في إيران ودول أخرى، أصبح عدد كبير من الفنانين وعشاق الفن على دراية بأعماله وإبداعاتها.

في عام 1324 هـ.ش، عرض بهزاد مع مجموعة من الفنانين أعماله في معرض الفنون الجميلة. أما أول معرض رسمي لأعماله الفردية فكان بعنوان «جناح بهزاد»، وأقيم في أبريل 1333 هـ.ش بالتزامن مع احتفالات ألفية ابن سينا، حيث اجتمع في إيران علماء ومستشرقون وفنانون مشهورون من 64 دولة. وقد عُرض في هذا المعرض نحو 30 لوحة من أعمال بهزاد، ومن أبرزها اللوحتان المشهورتان: «فردوسي» و**«إيوان المدائن»**.

نال المعرض إقبالًا كبيرًا من الزوار في متحف إيران القديم، مما عزز شهرة بهزاد على الصعيد العالمي، حتى أن ممثلين عن دول مثل فرنسا، إيطاليا، تشيكوسلوفاكيا، وبولندا طلبوا إقامة معارض لأعماله في بلدانهم. وبهذا أصبح بهزاد من بين أوائل المنمنمين الإيرانيين الذين عُرضت أعمالهم في معارض فردية خارج إيران.

في عام 1334 هـ.ش، دعت الجمعية الثقافية الإيرانية-الفرنسية بهزاد لإقامة معرض لأعماله في متحف الفن الحديث بباريس. ضم المعرض مجموعة مختارة من أعماله، وحضره السفير الإيراني لدى فرنسا، ووزير الثقافة الفرنسي، وشخصيات مرموقة مثل المستشرق الفرنسي هنري ماسه وجان داويد فيل، رئيس قسم الفن الإسلامي في متحف اللوفر آنذاك.

وفي نوفمبر من نفس العام، عُرضت 16 لوحة من أعمال بهزاد في الجمعية الثقافية الإيرانية-الألمانية. واستمر تنظيم المعارض الدولية لأعماله في مدن مثل براغ، وارسو، واشنطن، نيويورك، بروكسل، وكذلك في دول مثل الهند واليابان، ما أسهم في نشر فنه وتوسيع نطاق تأثيره الفني عالميًا.

رودکی، اثر استاد حسین بهزاد

الجوائز والأوسمة الفنية

نال الأستاذ حسين بهزاد، بفضل حضوره الطويل وإسهاماته المؤثرة في ساحة فن المنمنمات المعاصرة في إيران، العديد من الجوائز والأوسمة الفنية تقديرًا لإبداعاته وابتكاراته. ومن أبرز هذه الجوائز:

  • دبلوم شرف من الدورة الخامسة عشرة للألعاب الأولمبية في هلسنكي – فنلندا.

  • دبلوم شرف من المعرض الدولي في بلجيكا.

  • الجائزة الدولية للثقافة والأدب العالمي من لجنة الثقافة العالمية في الولايات المتحدة الأمريكية.

  • وسام الدرجة الأولى في المسابقة الدولية في مونوبولي – إيطاليا.

  • وسام بوعلي من متحف إيران القديم.

  • وسام الدرجة الأولى الفنية من وزارة الثقافة الإيرانية.

وفي عام 1371 هـ.ش (1992م)، قررت منظمة التراث الثقافي للجمهورية الإسلامية الإيرانية إنشاء متحف دائم يخلّد أعمال هذا الفنان الكبير. فاختارت قصرًا من قصور مجموعة "سعد آباد" يُعرف بـ قصر كرباسي ليكون مقرًا للمتحف، وبالتنسيق مع عائلة الفنان نُقلت إليه 298 عملًا فنيًا من إبداعات بهزاد.

واليوم، يُعرف هذا الصرح الفني باسم متحف الأستاذ حسين بهزاد، وهو مقصدٌ لعشاق الفن والمهتمين بالمنمنمات الإيرانية الأصيلة.

الاستماع بأذن القلب ، اثر استاد حسین بهزاد

 

بعض من أهم الأعمال الفنية

من أبرز الأعمال الفنية التي أبدعها الأستاذ حسين بهزاد نذكر:أفُسوس أن رسالة الشباب قد انقضت، أولئك الذين غدوا محيط الفضل والآداب، كأس يباركه العقل ويثني عليه، في الروضة مع نسيم الربيع قرب الورد والسرو، إيوان المدائن،  الاستماع بأذن القلب،  ابن سينا (بوعلي سينا)، عمر الخيام، الطبيب زكريا الرازي،  الشاعر رودكي،  الربيع والعود الثلاثي (السه‌تار)،  السرو الممشوق القامة،  رستم وسهراب، الدرْويش، ميلاد السيد المسيح (عليه السلام)، الشيخ المحارب (الپير الجَنگي)،  لعبة البولو (چوگان)، الراعي (چوپان)، وغيرها من اللوحات التي خلدت اسمه في سجل الفن الإيراني المعاصر.

 


الإسم حسين بهزاد؛ رائد بارز في التصوير المصور المعاصر في إيران
الدولة إیران
جوائزدولی,وطنی

استنادا الي الضرورات الآنفه الذكر في مجال العلاقات الثقافيه مع شعوب العالم ، فان رابطه الثقافه و العلاقات الاسلاميه حددت اهدافها ضمن اطر معينه ، منها تطوير و تعزيز العلاقات الثقافيه مع الشعوب و الامم المختلفه في العالم ، في سبيل ايجاد لغه واحده للحوار و التفاهم ، و ايضا القيام بالتبادل الثقافي ، و تقديم الصوره الكامله و اللائقه للثقافه و الحضاره الايرانيه و الاسلاميه ، و السعي لتعزيز العلاقات الثقافيه بين ايران و سائر دول العالم و كذلك المنظمات الدوليه ، و السعي الجاد لتحقيق الوحده الاسلاميه ، و التعريف الصحيح بمذهب اهل البيت (ع) و التخطيط و التحرك في مسير تحقيق الهدف المقدس و هو حوار الاديان و الحوار بين الحضارات [المزید]

أدخل النص الخاص بک واضغط على Enter

تغییر حجم الخط:

تغییر المسافة بین الکلمات:

تغییر ارتفاع الخط:

تغییر نوع الماوس: