
كمال الدين بهزاد: ماني الثاني أو رافائيل الشرق
كمال الدين بهزاد: ماني الثاني أو رافائيل الشرق
كمال الدين بهزاد؛ ماني الثاني أو رافائيل الشرق
وُلد الأستاذ كمال الدين بهزاد الهروي على الأرجح حوالي عام 865 هـ في مدينة هرات، وتوفي في تبريز عام 942 هـ. عاصر خلال حياته ثلاث سلالات: التيموريين والشيبانيين والصفويين. فقد يتيمًا في صغره، فتولى أمير روح الله، الرسام الهروي الملقب بميرك، رعايته. تلقى بهزاد دروسه الأولى في التصوير على يد آقاميرك الهروي، الذي كان على ما يبدو قريبًا له. ومن بين أساتذته الآخرين يمكن ذكر السيد أحمد التبريزي، المعروف أيضًا باسم السيد أحمد نقاش. تعلم بهزاد الدقة والتذهيب مباشرة من روح الله ميرك، واستمد مهارات الرسم التعبيري العميق من أعمال مولانا ولي الله. بحلول سن العشرين، أصبح معروفًا بموهبته الفنية الفذة.
ذكرت المصادر التاريخية، مثل خواندمير، أن بهزاد نال دعمًا ورعاية مستمرة من السلطان حسين بايقرا، ملك السلالة التيمورية، تقديرًا لمهاراته الفنية المتميزة، وأُطلق عليه لقب "ماني الثاني".
بهزاد في تبريز
بعد أن احتل شاه إسماعيل الصفوي هرات عام 916 هـ، نقله إلى تبريز. على الرغم من انشغال شاه إسماعيل بالحروب لتوطيد سلطته، فقد أبدى اهتمامًا كبيرًا بفن بهزاد، حتى أنه أمر بحمايته خلال المعارك، مثلما حدث في حملة تشالديران عام 920 هـ، حيث أُخفي بهزاد وخطاط نيشابوري شاه محمد في كهف لحمايتهم من ويلات الحرب. بعد الحرب، أسس بهزاد مدرسة جديدة في تبريز.
نگاره «پیرمرد و جوان»، اثر کمالالدین بهزاد
في عام 928 هـ، عُيّن بهزاد بإمرة إدارة المكتبة الملكية والجمعية الفنية للخط والنسخ، ما أكسبه مكانة مرموقة وإشرافًا على جميع الخطاطين والنقاشين والمذهبين العاملين هناك.
خصائص فن بهزاد
جدد بهزاد مدرسة تبريز وبغداد القديمة، وأدخل أسلوبًا جديدًا في الرسم التصويري. اهتم بالإنسان العادي، من خدم وفقراء ومرُّحلين، حيث لعب الإنسان الدور الرئيسي في أعماله. سعى إلى إبراز الحركة الواقعية للأجسام عبر خطوط دقيقة ومرونة في الرسم، مع الاهتمام بالتناسب والبيئة المحيطة. دمج بين الشخصية البشرية والعمارة والطبيعة بطريقة عضوية، مما أضفى حيوية ونشاطًا على أعماله.
ركز بهزاد على الجماعة أكثر من الفرد، لذا يُلقب بـ"رافائيل الشرق". كما أظهر التزامًا بالأخلاق والدين، مستفيدًا من الآيات القرآنية في أعماله، مثل تصوير "الجمل وصاحبه" و"حرب فرسان الجمال".
نگاره «شتر و صاحبش» اثر کمالالدین بهزاد
كما كان بهزاد يولِي اهتمامًا خاصًا للأشخاص العاديين في المجتمع، ولم يقتصر عمله على البلاط وحده. ففي لوحاته التي تصور البلاط، نرى دائمًا أفرادًا عاديين وفقراء وعمالًا يشاركون في الأنشطة المختلفة.
وفيما يخص تعليم بهزاد لتلاميذه، يمكن القول إن هذه التعليمات كانت تتم بسخاء كبير، حيث يصعب أحيانًا التمييز بين أعماله وأعمال تلاميذه، وخصوصًا قاسم علي. كما تشير لوحات كمال الدين بهزاد إلى أنه كان يهتم بالمجموعات أكثر من الأفراد، فغالبًا ما يصور أكبر عدد ممكن من الشخصيات البشرية في أعماله، ويقل اهتمامه بالفردية أو تصوير الوجوه المنفردة.
وبسبب هذه الخصوصية، أُطلق عليه لقب «رافائيل الشرق». وكان التزامه العميق بالتقوى والأخلاق من أبرز سماته، كما أن المواضيع التي اختارها، رغم كونها غنية وفنية للغاية، كانت في الوقت نفسه ذات طابع أخلاقي وإنساني قوي. ويظهر ذروة تقواه في لوحة يوسف وزليخا، وحل العقد في لوحة مناقشة المتكلمين في المسجد، واهتمامه بالأشخاص العاديين في لوحة شاه دارا والراعي، ونتيجة الطمع والدنيا في لوحة بناء قصر خورنق، إلى جانب العديد من روائعه الفنية الأخرى. إن مراجعة هذه الأعمال وغيرها من لوحات هذا الفنان البارز تكشف أنه سار بثبات على نهج الالتزام بالمضامين الأخلاقية والشعائر الثقافية والدينية.
نگاره «سلطان حسین میرزا در تفرجگاه» اثر کمالالدین بهزاد
من جهة أخرى، عند تحليل أعمال بهزاد، يجب القول إن اللون والشكل في لوحاته لا ينفصلان، وغالبًا ما توضع المساحات اللونية المسطحة جنبًا إلى جنب وفقًا لمتطلبات التعبير عن الموضوع. كان يعرف جيدًا تأثير الألوان المكملة وخصائص اللون المعبرة.
تفسيره الواقعي للأحداث الروائية واهتمامه بإظهار مظاهر الحياة اليومية كان جانبًا آخر من ابتكارات كمال الدين بهزاد. ومع ذلك، لم يضحِ بهزاد بالبعد الروحي للموضوع في سبيل وصف الوقائع العادية، بل اختار أسلوبًا لتجسيد العالم الواقعي قائمًا على مبادئ الجماليات في التصوير الإيراني. بناءً على ذلك، كان واقعيًا يختلف جوهريًا عن الطبيعية الأوروبية.
الواقعيون مثل بهزاد كانوا يعبرون عن الواقع عبر الرموز، ويطبقون منهجًا مفهوميًا في واقعية أعمالهم. ربما يمكن تسمية هذا النوع من الواقعية بـ «الواقعية الروحية»؛ أي رؤية شرقية مدموجة بالتصوف الإسلامي، رؤية عميقة صوفية للواقع مع الاعتماد على كافة التفاصيل الجوهرية للظواهر.
نگاره «یوسف و زلیخا» اثر کمالالدین بهزاد
أهم أعماله
من أبرز أعمال بهزاد التي بقيت على أصالتها: نسخة خمسه نظامي (864 هـ) في متحف بريطانيا، ونسخة بوستان سعدي (898 هـ) في مكتبة القاهرة. ومن أعماله الشهيرة: "بناء قصر خورنق"، "الخليفة مامون أثناء زيارة الحمام"، "فقهاء في مناقشة المسجد"، "الشابان ودارا"، "سامع الصوفية"، "السلطان حسين ميرزا في المتنزه"، و"يوسف وزليخة".
نگاره «بنای کاخ خورنق» اثر کمالالدین بهزاد
صورة أخرى من نفس المجموعة تُعرف باسم «الخليفة مأمون أثناء زيارة الحمام»، والتي تُعد واحدة من روائع فن بهزاد أيضًا. في هذه اللوحة، يظهر مشهد من الحياة اليومية مفعم بالحركة: عامل يعلق المناشف على سطح الحمام، وآخر يحمل منشفة مبللة ويقوم بعصرها، وعلى الجانب الأيسر العلوي من اللوحة، هناك شخص يغسل رأس أحد الأفراد، وفوق كل هذا، يتابع الخليفة العباسي مأمون المشهد بعين الرقيب.
من المجموعة الثانية، أي نسخة «بوستان سعدي»، توجد لوحة شهيرة تُعرف باسم «الفقهاء في مناقشة بالمسجد». في هذا العمل، رسم بهزاد مسجدًا ذا واجهة رائعة، ممتلئًا بالعلماء الذين يتبادلون النقاش، وفي الوقت نفسه يظهر مسكين يحمل وعاءً في يده، داخل المسجد.
إحدى اللوحات الجميلة الأخرى من هذه المجموعة هي لوحة «الراعي ودارا»، التي أبدعها بهزاد ببراعة ومهارة فائقة، لتجسد مشهدًا حيًّا ومؤثرًا يعكس مهارته الفنية الفريدة.
نگاره «سماع صوفیان» اثر کمالالدین بهزاد
رغم أن كمال الدين بهزاد نشأ في مدرسة هرات للرسوم المصورة، إلا أنه وبفضل قدراته الفائقة في التكوين، وتناسق الألوان، وتوازن الأشكال، أصبح مؤسسًا ومحدثًا تحولًا مهمًا في تقاليد الرسم الإيراني. فقد أحيا الشخصيات الجامدة والمتجانسة في الرسوم السابقة عبر خطوطه القوية والديناميكية، وحوّل الطبيعة والعمارة إلى فضاءات لفعل الإنسان، مع تخصيص موقع مناسب لكل شخصية ضمن المشهد.
استفاد بهزاد من التأثير المتبادل للألوان لربط عناصر الصورة معًا، واعتمد على الأساليب الهندسية في بناء التكوين لضمان متانة العمل. وبهذا، تمكن من إقامة علاقة منطقية ومنسقة بين الإنسان والأشياء والبيئة، وهو إنجاز جديد في تاريخ الرسم الإيراني.
كما عمل بهزاد على إحداث تحول في تقليد تلوين الرسم الإيراني، محاولًا إزالة تأثيرات الرسم الصيني، بحيث اقتربت شخصياته في الغالب من الملامح الإيرانية التقليدية. ونادرًا ما يُوجد في تاريخ الفن الإيراني رسام أبدع وابتكر مثل بهزاد، الذي ظل تأثيره ممتدًا في فنون الرسم لمدة تقارب ثمانين عامًا.
لذلك، بلغت مدرسة هرات في كل من الشرق الأدنى والوسط أقصى درجات ازدهارها، وأصبحت أعمال وأفكار فناني هذه المدرسة، بما في ذلك كمال الدين بهزاد، محط تقدير واسع ومرجعًا للجيل التالي من الفنانين، حتى صارت ثقافة وفكرًا فنيًا خاصًا يُقتدى به.
تحليل فني نهائي
أسلوب بهزاد تميز باستخدام الألوان الزاهية وتوزيعها بطريقة منسجمة مع مضمون العمل، كما جمع بين الواقعية الشرقية والتصوف الإسلامي، ما أطلق عليه "الواقعية الروحية". أضفى الحركة على الشخصيات وجعل الطبيعة والعمارة جزءًا من الفعل الإنساني، فخلق توازنًا بين الإنسان والبيئة المحيطة. بفضل هذه الابتكارات، أصبح كمال الدين بهزاد أحد أعمدة مدرسة هرات وأحد أبرز الرسامين في تاريخ الفن الإيراني، وقد أثر على مئات الفنانين في إيران، الهند، تركيا، وآسيا الوسطى.
الإسم | كمال الدين بهزاد: ماني الثاني أو رافائيل الشرق |
الدولة | إیران |












Choose blindless
العمى الأحمر العمی الأخضر العمی الأبیض اللون الأحمر من الصعب رؤیته اللون الأخضر من الصعب رؤیته اللون الأزرق من الصعب رؤیته أحادی اللون أحادی اللون خاصتغییر حجم الخط:
تغییر المسافة بین الکلمات:
تغییر ارتفاع الخط:
تغییر نوع الماوس: