النحت الإيراني: من النقوش البارزة التاريخية إلى التماثيل البطولية

النحت الإيراني: من النقوش البارزة التاريخية إلى التماثيل البطولية

النحت الإيراني: من النقوش البارزة التاريخية إلى التماثيل البطولية

النحت هو أحد فروع الفنون التشكيلية، يتعامل بشكل خاص مع التعبير ثلاثي الأبعاد (الطول، العرض، العمق). هذا الفن الثلاثي الأبعاد يعرض نفسه ويتوسع في الفضاء. يستلهم الفنان النحات الطبيعة وتصوّراته الذهنية، ليشكّل المواد المختلفة مثل الحجر، الخشب، الطين، الجص، المعدن، الزجاج، الشمع، الورق وغيرها. وبمساعدة اليد والأدوات، وبطرق متعددة مثل الإضافة، النقصان، القطع أو تغيير الشكل، يُنتج الفنان حجماً واقعياً ملموساً. بعبارة أخرى، النحت هو العمل على المواد الصلبة أو القابلة للتشكيل، ومن أهم خصائصه: ثلاثيته، القدرة على التمثيل، وتجسده في جسم صلب ثابت.


يمتاز النحت بتنوع موضوعاته، فقد يكون ذا طابع ديني، بطولي، تذكاري، تاريخي أو عام، وقد يقتصر أحياناً على الجوانب الجمالية البحتة ويُعتبر مجرد قطعة فنية جميلة.

تاريخ النحت
يمتلك النحت تاريخاً طويلاً جداً، ويستند إلى الاكتشافات الأثرية، بحيث يصعب تحديد تاريخ دقيق لبداياته. تشير أقدم التماثيل المكتشفة إلى أكثر من 22 إلى 24 ألف سنة قبل الميلاد، أي في العصر الحجري القديم، وتشمل أعمالاً تمثل الخيول والثيران البرية ومنحوتات لأجزاء من جسد الإنسان في عدة كهوف بأوروبا الوسطى. ومع الانتقال إلى العصر الحجري الحديث، ظهر النحت بشكل أكثر وضوحاً في حضارات غرب وجنوب غرب آسيا، مثل الأردن، إيران وأناضوليا، حيث شملت الآثار البارزة في مدن مثل أريحا وتشاتال هويوك جماجم بشرية مصبوبة وتماثيل صغيرة للحيوانات.

في العصور القديمة، ارتبط النحت بالمعتقدات الأسطورية والدينية والسياسية والإنسانية. وقد ظهر أولاً في حضارات ما بين النهرين، ثم انتقل لاحقاً إلى حضارات مصر، الهند، إيران، اليونان، روما، الصين، أفريقيا والأمريكيتين قبل كولومبوس. كما وجدت حضارات فرعية تشابهت في النحت بسبب الروابط العرقية واللغوية والثقافية مع تلك الحضارات الكبرى.

"التمثال السومري للواقف المتعبد (2900–2600 قبل الميلاد)"

المبادئ والعناصر الأساسية للنحت كما في باقي الفنون التشكيلية، تُراعى في النحت جميع عناصر التصميم، لكن العنصرين الأكثر أهمية هما: الحجم والفراغ. يظهر هذان العنصران بشكل ملموس في الفضاء الثلاثي الأبعاد، ويستخدمان لتقييم وتمييز أنواع التماثيل، مثل التماثيل التي تركز على الكتلة الصلبة مقابل تلك التي تركز على البيئة المحيطة. من العناصر المهمة الأخرى: الاتجاه، التناسب، المقياس، والتوازن.

تقنيات النحت
يمتد النحت من الفكرة إلى التنفيذ باستخدام عدة تقنيات تعتمد على حجم العمل، الفراغ، الشكل، الاتجاه والمقياس. تشمل التقنيات الرئيسية:

  1. الحَكّْ: إزالة تدريجية من كتلة صلبة مثل الحجر أو الخشب، غالباً بعد إعداد نموذج أولي.

"نقش رستم في شيراز، منحوت من عصر الأخمينيين"

  1. التشكيل (النمذجة): إضافة وتشكيل المواد المرنة مثل الطين، الجص، الشمع، الأسمنت أو الورق، غالباً على هيكل داعم (أرماتور).
  1. الصبّ: استخدام المعادن والزجاج المذاب لصب التماثيل، بعد تجهيز قوالب دقيقة.
  1. القوالب: يمكن عمل تماثيل مقاومة وطويلة الأمد باستخدام القوالب المباشرة أو غير المباشرة من الجص، الشمع، السيليكون وغيرها.
  1. التجميع (الأسِمبلاج): تقنية حديثة تعتمد على دمج الأشياء المعاد تدويرها أو القطع الجاهزة باستخدام اللحام، التثبيت، إلصاقها لخلق أشكال ثلاثية الأبعاد جديدة، مشابهة لتقنية الكولاج في الرسم.

تمثال الحكيم أبو القاسم الفردوسي، الشاعر الإيراني الشهير، من تصميم أبوالحسن صديقي

 

النحت في إيران
تاريخ النحت في إيران معقد وغير واضح نتيجة للتاريخ الطويل للمنطقة وقلة الاكتشافات الأثرية. على الرغم من اهتمام الإيرانيين بصناعات ثلاثية الأبعاد مثل الفخار والحدادة، لم يظهر اهتمام كبير بالنحت التقليدي قبل الإسلام. ومع ذلك، توجد آثار مفرغة مثل تماثيل لرستان التي يعود تاريخها إلى حوالي 3200 سنة.

أهم أعمال النحت في إيران القديمة تشمل النقوش البارزة للحضارة الأخمينية، التي تأثرت بالحضارات الميسوبوتامية، وتمتاز بالتفاصيل الدائرية والبارزة أكثر من النقوش الآشورية، مع إظهار الحركة والتناسق الطبيعي للأجسام. كما وجدت نقوش حجرية وزخارف أسطورية وأسطورية مثل الثيران ذات الرأسين والأسود والهجين البشري والحيواني.

في العصر الإشكاني، تميز النحت بالطابع الانتقائي بين الفن الإيراني واليوناني، مثل تمثال جندي برونزي من معبد شمي في إيزده. أما في العصر الساساني، فقد شهد النحت تطوراً مهماً من خلال النقوش البارزة كاملة أو منخفضة، مستلهمة من التقاليد الأخمينية والرومانية، ولاحقاً أثرت هذه النقوش على النقوش القاجارية.

بعد الإسلام، توقفت صناعة التماثيل التقليدية تقريباً، مع استمرار استخدام الأشكال الزخرفية من النقوش الساسانية على الحجر والجص والمعادن. ومع حكم فتحعلي شاه القاجار، أعيد الاهتمام بالنحت الرسمي، مثل نقش الصيد في تنگه واشی وتصاميم أخرى.

"تمثال برونزي لرجل من شمي، من بقايا العصر الإشكاني"

في العصر الإشكاني، اتسم النحت بالطابع الانتقائي بين الفن الإيراني واليوناني، كما يظهر على سبيل المثال في التمثال البرونزي الشهير لجندي إشكاني، الذي تم اكتشافه في معبد شمي بمناطق مدينة إيذه. ويعود جزء كبير من النحت الإيراني القديم إلى العصر الساساني، حيث صُنعت نقوش بارزة كاملة أو منخفضة، تتميز بأنها مستمدة جزئيًا من التقاليد الأخمينية، وفي الوقت نفسه تعكس مبادئ مثل التماثل والواقعية كما في النقوش الرومانية. وقد ألهمت هذه النقوش لاحقًا النقوش البارزة في العصر القاجاري، خلال حكم فتحعلي شاه.

بعد دخول الإسلام، توقفت صناعة التماثيل في إيران لفترة طويلة، ولم تُستخدم إلا الأشكال الزخرفية المقتبسة من النحت الساساني على النقوش الحجرية والجصية، وكذلك على الأواني والأشياء المعدنية. ومع ذلك، خلال عهد فتحعلي شاه القاجار، ونتيجة الاهتمام بإعادة قراءة ثقافة إيران القديمة وفك رموزها، تم فتح نافذة رسمية للنحت، وأسفر ذلك عن إنتاج عدة نقوش بارزة على الطراز الساساني. ومن بين هذه النقوش الحجرية، يعتبر مشهد الصيد لفتحعلي شاه في ممر واشي بفيروزكوه الأكثر دقة وفخامة من حيث التصميم والتنفيذ.

وقد مهدت هذه الأعمال تدريجيًا الطريق لإحياء النحت في إيران، وفي المرحلة التالية ساهمت نقوش ناصر الدين شاه ووزرائه في تنكاب مازندران، بالإضافة إلى تمثال ناصر الدين شاه على صهوة جواده، في تمهيد الطريق لظهور النحت المعاصر في إيران.

"تمثال فائق الواقعية للجنرال الشهيد قاسم سليماني، من تصميم حميد كنگراني"


بدأ النحت المعاصر في إيران قبل أقل من قرن، مع أبوالحسن صدیقي (1273-1374 هـ ش)، أحد تلامذة كمال الملك، الذي درس النحت الأكاديمي في أوروبا وعاد لتدريب جيل أول من النحاتين الإيرانيين المعاصرين، مثل علي‌اکبر صنعتی. هذه الأعمال كانت متأثرة بالنحت الأوروبي الكلاسيكي، وركزت على إعادة تصوير الوجوه والأحداث اليومية.

جيل لاحق من النحاتين، مثل ژازه تباتبایی، بهمن محصص، محسن وزیری‌مقدم، مسعود عربشاهی، جلب تجارب حديثة في المواد والأساليب. أما الجيل الثالث، فيواصل تطوير التجارب السابقة، ويعمل على التنويع في الأفكار والتنفيذ، خاصة في خلق علاقات جديدة بين الحجم والفضاء.

تمثال «الانتظار»، من تصميم علي أصغر يوزباشي 

أما الجيل الثالث من النحاتين الإيرانيين، الذين لا يزالون يمارسون أنشطتهم حتى اليوم، فهو يواصل تجارب الجيل الثاني، ويتحمل مسؤولية تعليم النحت في الجامعات، ويمتاز بتنوع الأفكار والأساليب أكثر من الجيلين السابقين. ويشكل الجيل الأخير من النحاتين المعاصرين في إيران جيلًا كثيف العدد، نما خلال العقدين أو الثلاثة عقود الأخيرة، ويستفيد من تجارب الأجيال السابقة ليبتكر خبرات جديدة، ويبتكر سلوكيات وأساليب حديثة في التعامل مع مفهومي الحجم والفراغ المعاصرين.

الإسم النحت الإيراني: من النقوش البارزة التاريخية إلى التماثيل البطولية
الدولة إیران
نوعالنحت
جوائزوطنی
أدخل النص الخاص بک واضغط على Enter

تغییر حجم الخط:

تغییر المسافة بین الکلمات:

تغییر ارتفاع الخط:

تغییر نوع الماوس: