المنمنمات الإيرانية؛ فنٌّ مُسجَّل في قائمة التراث الثقافي غير المادي للإنسانية
المنمنمات الإيرانية؛ فنٌّ مُسجَّل في قائمة التراث الثقافي غير المادي للإنسانية
المنمنمات الإيرانية، وهي أحد فروع الفنون التشكيلية المتنوّعة، تُعَدّ فنًّا أصيلًا وجميلًا، خياليًّا ودقيقًا ورقيقًا في الوقت نفسه، يتكوّن من تصويرٍ زخرفيٍّ تقليديٍّ دقيقٍ ذي طابعٍ جماليٍّ ووظيفيٍّ.
وترتبط المنمنمات الإيرانية ارتباطًا وثيقًا — داخليًّا وخارجيًّا — بالنصوص الأسطورية والملحمية والصوفية والغنائية، وتستمدّ غالبية موضوعاتها من هذه المصادر، ولذلك فإن اللغة التصويرية فيها رمزية واستعارية، تتبع في الغالب الصور والأخيلة الأدبية. 
وترتبط المنمنمات ارتباطًا وثيقًا بفنّ الخطّ العربي والفارسي، وأجمل نماذج هذا التلاحم يمكن رؤيتها في المخطوطات المزخرفة مثل الشاهنامه لفردوسي، وبوستان وكلستان لسعدي، وخمسة نظامي، وديوان حافظ، وهفت أورنك لجامي.
تنحدر المنمنمات الإيرانية من الفكر الفلسفي-الصوفي المتناغم مع الروح الإيرانية؛ إذ لم يسعَ المصوّر الإيراني يومًا إلى الواقعية، بل إلى تجسيد العالم كما يتصوّره هو، باستخدام الخطّ والمساحة واللون. لم يكن هدفه أن يعكس الطبيعة كما هي، بل أن يُظهر ظاهرها وباطنها معًا في هيئة الشكل واللون والفضاء، وأن يترك عليها بصمة خياله الخلّاق.

ساقی، اثر رضا عباسی، قرن هفدهم هجری قمری
تاريخ المنمنمات في إيران
اكتشف علماء الآثار في جبال لورستان كهوفًا تعود إلى عصور ما قبل التاريخ، تزيّنت جدرانها برسومٍ نفّذها الإنسان القديم، وتُظهر هذه الرسوم جذور الفنّ الإيراني القديم الذي تتواصل آثاره في الرسم الإيراني اللاحق. كما اكتُشفت في تلّ مَليان في فارس آثار مزيّنة بألوانٍ مثل الأحمر المغرّي والأصفر الترابي والأسود. وتُبرز اللقى الأثرية من تلال سيلك، تششمه علي، زيويه، مارليك وغيرها استمرار الفنّ التصويري في إيران منذ أقدم العصور.
غير أنّ المقصود بـ المنمنمات الإيرانية هو الفنّ التصويري الذي ازدهر بعد الإسلام، وقد تأثر في بداياته بـ الرسوم الهامشية لكتبٍ دينيةٍ ساسانية، ويتّضح ذلك من تشابه الرسوم الإسلامية الأولى مع الإرث التصويري للرسّام ماني. نشأ فنّ المنمنمات، مثل نظيره في الغرب، من تزويق وتزيين المخطوطات، ثمّ تطوّر تدريجيًّا إلى فنٍّ مستقلّ. وتُختصر مدارسه الرئيسة — التي سُمّيت غالبًا بأسماء الأسر الحاكمة أو العواصم — في مدارس: العباسية (بغداد)، السلجوقية، الإيلخانية (تبريز)، الجلائرية (تبريز–بغداد)، الهراتية، الصفوية، والإصفهانية. وقد جرى هذا التصنيف أول مرة في معرض برلنغتون هاوس في لندن سنة 1931م، حيث عُرضت نماذج من أقدم اللوحات الإيرانية.

رزم همای و همایون، اثر جنید سلطانی، قرن هشتم هجری قمری
أنواع فنون المنمنمات الإيرانية
تتكوّن المنمنمات الإيرانية من فروعٍ متقاربة: الرسم التقليدي، التذهيب، التشعير، وتصوير الزهور والطيور (گل و مرغ). وتشترك جميعها في أساليب التصميم والتلوين ومراحل العمل الدقيقة مثل التذهيب، الصقل، الترخيم، وتحديد الإطارات. وغالبًا ما تجتمع هذه الفنون في عملٍ واحدٍ متكامل أو تُمارَس بصورةٍ مستقلة.
أ) الرسم التقليدي
هو تصوير مشاهد واقعية أو خيالية على الورق أو الكرتون أو القماش أو الجدران، مستمدّ من تقاليد الرسم والمنمنمات التاريخية، وخصوصًا تصوير المخطوطات القديمة. ويتّبع هذا الفنّ قواعد ثابتة في الموضوعات وتكوين الوجوه والتركيب اللوني تميّزه عن أنواع الرسم الأخرى.

نگارگری به سبک تذهیب، اثر محسن آقامیری
ب) التذهيب
هو فنّ تزيين حواشي المخطوطات بنقوشٍ هندسيةٍ ونباتيةٍ متشابكةٍ تُنفّذ بالألوان والذهب. ويُعدّ التذهيب تعبيرًا عن الوحدة في التنوّع، ويعتمد على الأشكال المنحنية والدائرية كالأرابيسك.
من أبرز عناصره: التذهيب، الصقل، الترخيم، الإطار، الأرابيسك، الخَتائي، الشَّمسَة، اللَّوْحَة، البَتّة، والعُقد. وتُستعمل هذه العناصر كذلك في الفنون التطبيقية والحِرَف اليدوية.
ج) التشعير
هو رسم الزخارف الدقيقة بلونٍ أو لونين على هوامش المخطوطات والكتب القديمة، وأصل الكلمة من «الشَّعر» دلالةً على دقّة الخطوط.
يُنفّذ التشعير بقلمٍ رفيعٍ جدًّا، وله نوعان:
- 
نباتي: يعتمد على الأزهار والأوراق والتجريد النباتي.
 - 
حيواني: يُصوِّر طيورًا وحيواناتٍ واقعية أو أسطورية مثل التنين والعنقاء والأسد والغزال.
وينقسم النوع الحيواني إلى مناظر الصيد ومشاهد الصراع بين الوحوش. 
.jpg)
الضامن للغزال – عمل الأستاذ محمود فرشچیان
د) فنّ الزهور والطيور
فنّ زخرفي تقليدي يقوم على تصوير الأزهار والطيور بتناغمٍ بصريٍّ جميل، ويُستعمل لتزيين الصناديق وأقلام الخطّ والمرايا وأغلفة الكتب، خصوصًا المصاحف.

گل و مرغ، اثر مجید مهرگان، 1368 هجری شمسی
مدارس المنمنمات الإيرانية
تُقسَّم مدارس المنمنمات حسب مراكز الحكم السياسي؛ فحيثما كانت العاصمة، كان يجتمع الفنّانون ويؤثّر بعضهم في بعض، فتنشأ مدرسةٌ جديدة.
بر این اساس، مهمترین مکاتب نگارگری عبارتند از: عباسی (بغداد)، سلجوقی، ایلخانی (تبریز)، شیراز، جلایری (تبریز-بغداد)، هرات، صفوی و اصفهان. در ادامه به مرور هریک از این مکاتب میپردازیم:
1. المدرسة العباسية (بغداد)
نشأت في القرن الثاني الهجري ببغداد، وتأثرت بالفنّ البيزنطي والساساني. اقتصرت موضوعاتها على تزويق الكتب الدينية وتصوير القصص، وغلبت فيها الوجوه السامية الملامح واللحى السوداء الطويلة.
2. المدرسة السلجوقية
تُعَدّ أول مدرسةٍ إيرانيةٍ خالصة (القرن الرابع الهجري)، وتأثرت بالعباسية وبالفنّ الساساني والصيني. تظهر ملامحها في مخطوطتي ورقة وگلشاه وسمك عيّار بألوانٍ زاهية وخطوطٍ واضحة وخلفياتٍ مزخرفةٍ بالنباتات.
3. المدرسة الإيلخانية (تبريز)
ازدهرت بعد الغزو المغولي، فامتزجت فيها التأثيرات الصينية والإيرانية. ومن خصائصها: تنوّع الألوان، المناظر الطبيعية، التفاصيل الدقيقة، والتأثيرات الصينية مثل التنين والجبال والسحب.
4. مدرسة شيراز
تزامنت مع الحكم الإيلخاني، وتميّزت باستقلالها النسبي وتأثرها المحدود بالصين. لوحاتها بسيطة، ألوانها دافئة، وأشكالها حرّة الحركة بخطوطٍ منسابةٍ ورقيقة.
5. المدرسة الجلائرية (تبريز – بغداد)
فيها تراجعت التأثيرات الأجنبية لصالح روحٍ شعريةٍ وخياليةٍ إيرانيةٍ أصيلة، واتّسع نطاق الألوان والمناظر الزخرفية المستقلة عن النصّ.
6. مدرسة هرات
بلغت أوجها في عهد السلطان حسين بايقرا، وأرست أسلوبًا إيرانيًّا خالصًا بعد زوال التأثير الصيني. امتازت بالألوان الغنيّة، والتكوينات الدائرية، والحركة الواقعية للشخصيات، وظهور اللوحات المستقلة (الرَّقَع).
7. المدرسة الصفوية
امتدادٌ لمدرسة هرات أسّسها كمال الدين بهزاد وتلاميذه. استخدمت الألوان المتكاملة المشرقة، ودمجت بين العمارة والشخصيات في مشاهد درامية حيوية.
8. المدرسة الإصفهانية
نشأت في عهد الملك عباس الصفوي، وتميّزت باستقلال المنمنمات عن الكتب، وظهور اللوحات المنفردة والبورتريه، وتخفيف الزخارف، والاقتراب من الواقعية في الوجوه. كما ازدهرت فيها الرسوم الجدارية ذات الطابع نفسه.

منمنمة قبة بهرام – عمل هادي تجويدي
المنمنمات بعد العهد الصفوي
مع تغيّر الذوق العام في أواخر العصر الصفوي وبداية القاجاري، تأثرت المنمنمات بالفنّ الغربي، ومالت نحو الطبيعية والتشخيص، بينما استمرّ حضورها في الحرف التطبيقية مثل التذهيب والتشعير وتزيين الأدوات. وفي عهد رضا شاه بهلوي، بُذلت جهود لإحياء هذا الفنّ في المدارس الفنية مع الحفاظ على جوهره التقليدي وإدخال مفاهيم المنظور والظلال والواقعية المعتدلة.
المنمنمات في عصر الثورة الإسلامية
مع انتصار الثورة الإسلامية، بدأت مرحلة جديدة في تاريخ المنمنمات، حيث سعى الفنانون إلى توظيف التراث لخدمة القيم الثورية والإنسانية. وبرز من بينهم الأستاذ محمود فرشچیان، الذي جمع بين الأصالة والتجديد ليعبّر عن روح الجهاد والمقاومة والإيمان في أعمالٍ خالدةٍ ذات لغةٍ رمزيةٍ معاصرة. كما ظهرت أعمال تلاميذه تحمل مضامين العدالة ومناصرة المظلومين. 
نگاره به امید آزادی قدس، اثر مینا صدری
بعض تلاميذهم، رغم أنهم أنتجوا أعمالاً أقل مقارنةً بالرسامين الآخرين، ساهموا في بث الأمل لإيجاد لغة فنية جديدة تتوافق مع متطلبات الثورة الإسلامية. ومن أبرز الالتزامات لدى الرسامين في عصر الثورة الإسلامية، الاحتجاج على الجرائم الظالمة والانتهاكات التي لحقت بالمظلومين في العالم. كما أن عرض روح الجهاد والمقاومة والتضحية والاستشهاد كان من المواضيع المتكررة في أعمال الرسامين خلال فترة الثورة الإسلامية.
وفي عام 2020م (1399هـ ش)، سُجِّلت المنمنمات الإيرانية ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي للإنسانية في اليونسكو، ضمن ملفٍّ مشتركٍ مع تركيا وأذربيجان وأوزبكستان، لتكون التراث الإيراني اللامادي الخامس عشر المعترف به دوليًّا.
| الإسم | المنمنمات الإيرانية؛ فنٌّ مُسجَّل في قائمة التراث الثقافي غير المادي للإنسانية | 
| الدولة | إیران | 
| مشاهیر | |
| جوائز | دولی | 
Choose blindless
العمى الأحمر العمی الأخضر العمی الأبیض اللون الأحمر من الصعب رؤیته اللون الأخضر من الصعب رؤیته اللون الأزرق من الصعب رؤیته أحادی اللون أحادی اللون خاصتغییر حجم الخط:
تغییر المسافة بین الکلمات:
تغییر ارتفاع الخط:
تغییر نوع الماوس: