الكاتشي، طعام بطقوسٍ خاصة لتعزيز الأُلفة والمودّة بين أفراد الأسرة

الطعام ليس مجرد وسيلة لإشباع الحاجات الجسدية بل إنّ التعرّف عليه يُتيح لنا كشف الجوانب الخفيّة من حياة الشعوب والأمم فالطعام منذ أقدم العصور كان رفيقًا ليوميّات الشعوب وهو اليوم يُعتَبر وسيلة فعّالة لنقل العادات والتقاليد والمعتقدات لدى مختلف الثقافات حتى إنّ الكثير من الأطعمة باتت تُنسب إلى مدن وبلدان بعينها وتُقدَّم بوصفها سفيرًا لثقافتها في أنحاء العالم

ومع بداية القرن الميلادي الجديد انطلقت جهود واسعة لتوثيق المأكولات التراثية للشعوب وقد شهدت إيران أيضًا حركة جادّة في هذا المجال فتم إعداد قائمة تضمّ الأطعمة المنتشرة بين مختلف القوميات والثقافات بهدف الحفاظ عليها وضمان استمراريتها ومن بين هذه الأطعمة يبرز الكاتشي بوصفه حساءً لذيذًا ومغذّيًا يحظى بشعبية كبيرة في مدينة أبوزيدآباد

أين تقع أبوزيدآباد

تقع أبوزيدآباد في شمال محافظة أصفهان وهي مركز قضاء كويرات التابع لمدينة آران وبيدكل وتبعد عن مركز المدينة آران وبيدكل قرابة ۳۰ كيلومترًا وتُعدّ من المدن الصحراوية الإيرانية ويتميّز سكّان أبوزيدآباد بحفاوة استقبالهم إذ يستقبلون سنويًا أعدادًا كبيرة من السائحين خصوصًا أولئك الذين يقصدون صحراء سيازغه للاستمتاع بجمالها الطبيعي الهادئ والبكر

الكاتشي وأصوله

الكاتشي من الأطعمة المحلية الأصيلة في أبوزيدآباد وهو لا يُطهى في أيّ منطقة أخرى حتى في القرى المحيطة بكاشان وآران وبيدكل يُعدّ الكاتشي وجبةً خفيفة تُستهلك غالبًا في فصلي الخريف والشتاء ويتميّز بتحضيره من مكوّنات خاصّة وبطريقة إعدادٍ فريدة كما أنّ تناوله يرتبط بطقوسٍ تقليدية معينة يحرص سكّان أبوزيدآباد على تناوله ضمن جلسات عائلية أو جماعية ويعتقدون أنّ مشاركة الأصدقاء والأقارب في تناوله يُضفي عليه طعمًا أطيب ومذاقًا أمتع وغالبًا ما يُطهى الكاتشي في أيام العطل الرسمية حيث يتوفّر الوقت لاجتماع أفراد الأسرة والأقارب ويُقدّم في وقت چاشت أي في الفترة بين الصباح والظهيرة وتحديدًا قبل الظهر بساعتين تقريبًا

طريقة تحضير الكاتشي

تتكوّن هذه الوجبة من الذرة القمح الكشك اللحم قِلية البصل والنعناع المقلي ويبدأ تحضيرها بطحن القمح باستخدام الطواحين اليدوية إذ يتم تكسيره ليُصبح قطعًا صغيرة دون أن يتحوّل إلى دقيق ناعم ويُطهى الكاتشي في قدر نحاسي رغم توفّر المواقد الغازية في منازل المدينة حيث يُفضّل السكّان استخدام الحطب لطهوه إذ يعتقدون أنّ النكهة تكون أطيب بهذه الطريقة

يُملأ القدر حتى منتصفه بالماء وعند غليانه يُضاف القمح المجروش وحين ينضج القمح يُضاف إليه الذرة التي تحتاج إلى وقت أقل للطهي بعد ذلك يُضاف مقدار من دقيق القمح ودقيق الذرة لضبط قوام الخليط تستغرق عملية الطهي من ساعتين إلى ثلاث ساعات أغلبها تُخصص لغليان المكوّنات وخلال هذه الفترة يتم إعداد باقي مكوّنات الطبق من الكشك القِلية والنعناع المقلي

يُستخدَم في هذا الطبق كشك محلي مصنوع من حليب الأغنام ويُذاب باستخدام أداة تقليدية تُسمّى كشك‌ساب حيث يُوضع الكشك مع قليل من الماء داخلها ويُحرّك حتى يذوب تمامًا أما القِلية فهي قطع لحم تُقلَى في دهنها الطبيعي دون إضافة أي نوع آخر من الزيت وفي الماضي كان سكّان أبوزيدآباد يُحضّرون القِلية مع بداية فصل الخريف ويخزّنونها في أوانٍ فخارية خاصة مما يُمكّنهم من حفظ اللحم طوال فصل الشتاء واستخدامه في مختلف الأطباق كالحساء أو الكاتشي ونظرًا لصعوبة إعداد القِلية يلجأ البعض إلى قلي اللحم العادي واستخدامه بدلًا منها ويُحضّر النعناع المقلي بقلي أوراق النعناع في الزيت حتى تُصبح ذات نكهة مميزة

بعد نضج الكاتشي يُسكب في طبق دائري وتُملأ وسطه بمزيج من الكشك السائل القِلية والنعناع المقلي ثم يُوضَع في وسط المائدة ليأخذ كل فرد حصّته في صحنه الخاص

تسجيل الكاتشي في قائمة التراث

في عام 2021 الميلادي 1389 الهجري الشمسي تمّ تسجيل طريقة إعداد الكاتشي التقليدي في قائمة التراث الثقافي غير المادي في إيران فالكاتشي ليس مجرد طبق غذائي بل إنّ طقوس تحضيره وتناوله تُسهم في تعميق أواصر الألفة والمحبة بين أفراد الأسرة والمجتمع