وسائل الإعلام الفنية الجديدة في إيران؛ حركة في مسار التطور، التأثير والإبداع

تُعد وسائل الإعلام الفنية الجديدة أحد الفروع الناشئة للفنون البصرية، والتي تتجلّى باستخدام لغة وأساليب مبتكرة. يُطلق على الحركات والتوجهات الفنية التي تتشكل بالاعتماد على هذه اللغة الجديدة مصطلح "الفن الجديد" أو "وسائل الإعلام الفنية الجديدة". هذا الفن، الذي نشأ في سياق التحول من الفن الحديث إلى ما بعد الحداثة منذ الستينيات الميلادية، رفض الطرق التقليدية لتقديم الأعمال الفنية، متجهًا نحو استخدام وسائل جديدة مثل الفيديو، الحاسوب، الإنترنت، وغيرها من التقنيات الرقمية، ودمجها مع الفروع الفنية التقليدية مثل الرسم، التصوير الفوتوغرافي، النحت، الرسوم المتحركة، وغيرها.

من أبرز خصائص وسائل الإعلام الفنية الجديدة:

• تجاوز الأطر التقليدية للفن.

• رفض المعنى المباشر للعمل الفني.

• ابتكار مفاهيم جديدة قائمة على القضايا الاجتماعية والسياسية.

• التواصل المباشر للفنان مع المتلقي.

• تعدد طبقات العمل الفني وتعدد وسائطه.

• مزج المواد المادية والافتراضية في العمل الفني.

• التركيز على الظواهر الإبداعية وأحيانًا مشاركة الجمهور في خلق العمل.
  إحدى التحديات الجوهرية لهذه الوسائط تكمن في عدم وجود توافق كامل حول تعريفها وتصنيفها ضمن الفنون المعروفة.

چیدمان «به یاد کیارستمی» اثر مسعود گلپریان

تاريخ وسائل الإعلام الفنية الجديدة في إيران

بدأت هذه الوسائل في الظهور في أواخر الستينيات من القرن الهجري شمسي. أهم خصائصها تكمن في اعتمادها على استراتيجيات الفن المفاهيمي واستخدام وسائط وأشكال جديدة. ورغم أن مصطلح "الفن الجديد" ليس دقيقًا دائمًا، إلا أنه يُستخدم كمفهوم شامل للتوجهات التجريبية المختلفة في الفن الحديث والمعاصر الإيراني، سواء من قبل الباحثين أم منظمي المعارض، كما استخدمه عدد من الفنانين والناشرين ليشير إلى الفن المعاصر الذي يتجاوز الأساليب الكلاسيكية للرسم والتصميم والنحت، وأحيانًا التصوير الفوتوغرافي.

«به یاد شهدای غواص»، اثر علی داوری

من بين العوامل التي تجعلنا نتقارب أولًا مع موضوع "الفن الجديد" واستراتيجيات هذا الفن في إيران من خلال الوسائط، هو أن الوسائط الفنية والإمكانات الخاصة المرتبطة بها لعبت دورًا مهمًا للفنانين في تاريخ الفن الحديث والمعاصر الإيراني.

أقيم أول معرض يتبنى التوجهات الجديدة للفن المفهومي تحت عنوان "الفن المفهومي: أول معرض للفن المفهومي في إيران" في عام 1355 هـ.ش (1976 م) في متحف الفن المعاصر بطهران. وبعد الثورة الإسلامية وانتهاء الحرب المفروضة التي استمرت ثماني سنوات، أتيح مجال أوسع لتوسيع الأنشطة الفنية في هذا المجال.

وفي هذا السياق، لا يمكن التقليل من تأثير متحف الفن المعاصر بطهران باعتباره منصة أتيحت غالبًا للشباب الفنانين، ولا يمكن تجاهل أثر إقامة المعارض على الجيل الجديد من الفنانين الإيرانيين الذين كانوا يبحثون عن وسائل تعبير تتناسب مع تعقيدات حياتهم الداخلية والخارجية وتجاربهم المرتبطة بالثورة الإسلامية.

لاحقًا، تم تنظيم معارض أخرى تحت عنوان "الفن الجديد"، وأصبحت غاليري طراحان آزاد (المصممين الأحرار) وغاليري رقم 13 فضاءات لتجريب وعرض أعمال الفن الجديد.

لم يمض وقت طويل حتى توسع نطاق الفن الجديد، وخاصة فن التركيب/الإنستالايشن، ليشمل ليس فقط الغاليريات الخاصة، بل أيضًا الغاليريات الحكومية، من بينها غاليري مجموعة صبا الثقافية والفنية والبحثية التابعة لأكاديمية الفنون.

أنواع وسائل الإعلام الفنية الجديدة

تشمل وسائل الإعلام الفنية الجديدة عدة أشكال، من أبرزها:

• الفن المفهومي (Conceptual Art): يركز على الفكرة أكثر من المادة، ويعطي أهمية للمشاركة الذهنية للجمهورفي هذا الفن، تكون فكرة الفنان أهم من المواد المستخدمة، والمشاركة الذهنية للمشاهد أهم من مجرد الزيارة أو النظر الثابت إلى العمل الفني.
  في الفن المفهومي لا توجد أي قيود تعبيرية، ويمكن للفنان، من أجل إيصال الفكرة أو المفهوم الذي يرغب به، استخدام وسائط مختلفة مثل: الرسم، التصوير، النحت، الكتابة، والفيديو، إلى جانب أشياء من الحياة اليومية. 

«آینه‌های نور»، اثر تعاملی مریم صفایی و محمدامین اوجی

الفن الحدثي (Happening Art): عمل فني متعدد الوسائط، يُعرض كحدث حي، يدمج الرسم، التصوير، الموسيقى، الشعر، المسرح، والفيديو.

فن الأداء (Performance Art): يجمع بين الفنون المسرحية والبصرية، وقد يكون منظمًا أو ارتجاليًا، مع أو بدون مشاركة الجمهور.

اینستالیشن «ده هزار جهان»، اثر حسین و ابوذر ونکی

الفن العملي/العمليّة (Process Art): يركز على عملية خلق العمل بدلاً من المنتج النهائي، مستخدمًا مواد مرنة وقابلة للتحلل لتوضيح فكرة أو عملية زمنية.

 الفن الأرضي (Land Art): خلق أعمال فنية كبيرة في الطبيعة باستخدام عناصر طبيعية مثل التراب، الحجر، الماء، أو مواد معالجة مثل الخرسانة والمعدن، غالبًا ما يتم توثيقها بالصورة والفيديو.

 لندآرت «الهه‌ها و ماهی‌ها»، اثر احمد نادعلیان

الفيديوآرت (Video Art): يعتمد على الصور المتحركة والبيانات الصوتية، متحرر من قواعد السينما التقليدية، ويتركز على نقل الفكرة.

ویدیو اینستالیشن «شهر فرنگ»، اثر امیر راد

التركيب/الإنستالايشن (Installation Art): تصميم وتوزيع عناصر ثلاثية الأبعاد في بيئات مفتوحة أو مغلقة لتغيير إدراك المشاهد للفضاء، مع مشاركة تفاعلية أحيانًا.

چیدمان «صلح» اثر محمد تقی‌پور

فن الصوت (Sound Art): يركز على الصوت كعنصر تجسيمي، مع اعتبار الزمن والفضاء جزءًا من تجربة العمل، وغالبًا يُعرض في شكل تركيب صوتي.

الفن متعدد الوسائط (Multimedia Art): دمج وسائط بصرية وسمعية وحركية، مع مشاركة الجمهور وإشراك الحواس المختلفة (الشم، السمع، اللمس) لتشكيل تجربة متكاملة.

التحدي مع الزمان والمكان ، اثر مرضیه سرسریان